كل هذا سجلته اللغة وصورته الآيات تصويراً بديعاً، وحرّكه الإيقاع المتنوع وبث فيه نشاطاً دائباً، خالقاً بذلك جوّاً سنفونياً عارماً، شمل القصة كلها دون أن يُلحق خللاً في المعنى أو في المبنى. "إن اللغة لها وجهان. وجه يتمثل في الأصوات المسموعة وما تستشعره الأذن من وقع الكلمة ونغمها، ووجه يتمثل في الدلالة والمضامين التي تحملها الألفاظ"((١)).
ولقد شاركت الجمل القصار أو البنية القصيرة مشاركة لطيفة في توجيه مضمون النص القصصي هذا، وأودعت فيه حركة انسجمت (كمّاً وصوتاً) مع أفعال الوليد الطبيعية ذلك أن الجمل القصار هي التي يعوِّل عليها النص القرآني "لأنها أسهل لدى الحفظ، وأسرى لدى الرواية وأمتع لدى القراءة، وألذ في السمع، وأنفذ إلى القلب والذوق لدى تشرب الجمال الفني النابع منها وتذوقه"((٢)).
هذا الجمال الفني الذي استطاعت اللغة القرآنية أن تقدمه عبر القصة القرآنية القصيرة، التقديم الذي يجمع إلى جانب المضمون الهادف، الإيقاع الجميل والنسج الكريم والسرد العذب.
إننا ألفينا هذا الجمال مقرراً من جهة العقل والشرع والطبيعة، على حد تعبير أبي حيان التوحيدي الذي يقول في مسألة تحديد الجمال أو (الحسن والقبيح): "ومناشئ الحسن والقبيح كثيرة: منها الطبيعي ومنها بالعادة، ومنها بالشرع ومنها بالعقل ومنها بالشهوة. فإذا اعتبر هذه المناشئ صدّق الصادق منها، وكذّب الكاذب، وكان استحسانه على قدر ذلك"((٣)).
(٢) د. عبد الملك مرتاض: النص الأدبي من أين؟ وإلى أين؟ ص٧٨.
(٣) أبو حيان التوحيدي: الإمتاع والمؤانسة –ج١- طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ١٩٣٩،
ص١٥٠.