إذا أضفنا إلى هذه المناشئ التي اجتهد التوحيدي في إيجادها، منشأ اللغة، نكون قد أعطينا حكماً قبلياً عن الجمال –وباعتباره كذلك- يكون أقرب إلى الحكم النهائي عن الجمال في النص الأدبي وتحديده.
فاللغة –إذن- هي المقصد الأول والنهائي لمعرفة الجمال المكنون في النص القرآني.
فجمال هذه القصة ينحصر في الألفاظ والإيقاع، وفي مدى انسجام الصورة مع اللغة في كيفية التناسق والمساوقة التامتين بين الدال والمدلول من جهة المضمون "ليس الغرض بنظم الكلم أن توالت ألفاظها في النطق بل تناسقت دلالتها وتلاقت معانيها على الوجه الذي اقتضاه العقل"((١)).
وإن كان الجمال –في جوهره- محل اختلاف في تحديد طبيعته والاتفاق على ضابط يحكمه، لأننا مثلاً، نجد الصورة الحسنة قبيحة عند هذا، والقبيحة حسنة عند ذاك.
ولكنّ علته "وقد يكون الشيء متقناً محكماً، ولا يكون حلواً مقبولاً. ويكون جيداً وثيقاً، وإن لم يكن لطيفاً رشيقاً. وقد نجد الصورة الحسنة والخلقة التامة مقلية ممقوتة، وأخرى دونها مستحلاة مومقة. ولكل صناعة أهل يرجع إليهم في خصائصها، ويستظهر بمعرفتهم عند اشتباه أحوالها"((٢)).
ولقد كان القاضي الجرجاني ذكياً حين أشار إلى أن لكل صناعة أهلاً ينبغي استشارتهم والأخذ برأيهم فيها.
لعل هذا كله يدفعنا إلى القول: إنه ليس من السهل معرفة عبقرية النص القرآني بجانبيه البنائي والمحتوائي إلا لمن كان له بيان، أو عانق النص وهو متسلّح بالمناهج القادرة على استجلاء مكتومات النص الجمالية. ينضاف إلى ذلك معرفته الكاملة بعلوم القرآن (تلاوة وتفسيراً). وفوق كل ذا وذاك، توفر باحث المتن القرآني على قدر كاف من حب لهذا النص واستظهار لآياته وتقديس لما جاء به.

(١) عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز ص ٤١-٤٢.
(٢) القاضي الجرجاني: الوساطة بين المتنبي وخصومه –طبعة صحيح ١٩٤٨ ص٧٧.


الصفحة التالية
Icon