وفي هذا السياق يقول ابن قتيبة "إنما يعرف فضل القرآن، من كثّر نظره واتّسع عمله، وفهم مذاهب العرب وافتتانها في الأساليب"((١)).
-العامل الثاني: يتمثّل في هذا المسوغ الحضاري، الذي طرح نفسه بوصفه معطى عصرياً اتفق على تسميته بالحداثة، التي لها فضل استجلاء المصطلحات السردية التي ننوي معالجتها.
إن الحداثة –بثقلها المتميّز- فرضت على النقاد إعادة قراءة النصوص التراثية بتعمق، وذلك بتجاوز لمعناها الظاهري، الأمر الذي خوّل لها أن تحال إلى إجراء اجتهادي سوغته المعطيات العصرية الراهنة.
فالحداثة –إذن- ضرورة حضارية ملحة تمكّن من اختراق حدود الأحكام الجاهزة، إلى رؤى معرفية كشفية تعتمد على مقروئية المتلقي –في كل جوانبها-.
ولما كان هذا المعطى حاضراً بهذه القوة، وبخاصة في مجال النص الأدبي الذي "مازال النقد الحديث يسير نحو تمجيده، وحصر الجهود حوله حتى أصبح النص شيئاً شبه مقدس، في عالم النقد يجب أن يستأثر بكل انتباه الناقد ودراساته، كما يجب أن يكون كل شيء لدى الناقد وقرائه على السواء"((٢)) فإنه لمن الأجدى أن ينسحب على النص القرآني، لأنه يدفع إلى التأويل ويمنح القدرة على إضاءة المألوف والكشف عنه في الراهن والحيني.
وإذا لم نفعّل الحداثة في مجال النصية القرآنية فإنها "ستظل عائمة غائمة لانبتاتها عن أكمل متن لاقحها ولاقحته على مدى العصور"((٣)).
(٢) سهير القلماوي: النقد الأدبي –دار المعرفة، ص٥٨.
(٣) د. عشراتي سليمان: تجليات الحداثة –ع١ –١٩٩٢- ص١٣٣.