فلقد جاء هذا النص الكريم ليصور معاناة الرسول صلى الله عليه وسلم(١) من قبل قومه بما نعتوه من صفات لا تليق به، بوصفه نبياً مبعوثاً من الله. وقد أقسم الخالق بالنجم، لعظمته وعظمة لحظة السقوط. وجاءت هذه الآيات أيضاً لتجسد علاقة المطلق بالمتحين، علاقة السماء بالأرض. فكأن سقوط النجم –إذن- مرآة تعكس علاقة تبليغية جديدة في حقل العالم الرسالاتي، والتي يمثلها جبريل رسمياً، حيث تمثل للرسول ﷺ "على صورته الحقيقية التي خُلق عليها، فرآه النبي ﷺ وكان بحراء، قد سدّ الأفق إلى المغرب، فخرّ مغشياً عليه. وكان قد سأله أن يريه نفسه على صورته التي خلق عليها فواعده بحراء، فنزل جبريل في صورة الآدميين"((٢)).
وبهذه الوساطة، تم تحقيق نظرية اختراق الحجب وتجسيد مبدأ التواصلية الذي يكون عليه الكون.
إن أول ما يلفت انتباهنا، هو ذلك الإيقاع المطّرد الذي يسم هذه المقاطع، التي يتردد صداها في الوجدان السمعي للقارئ.
ولعل الملاحظ لمدود هذه القصة، يجدها تتحرك عبر فونيم واحد لا يكاد يبرحها، وهو المد باعتماد الألف المقصورة والمجسد في مقاطع: -هوى- غوى- الهوى- يوحى- القوى- فاستوى- الأعلى- فتدلى- أدنى- أوحى.
إن حركة المد المفتوحة بامتدادها المحسوس المنبعث من فونيمات تلك المقاطع، هي القائمة بالتشكيل الصوتي لهذه القصة.

(١) من ذلك ما روي (عن عتبة بن الزبير، أن عتبة بن أ بي لهب –وكانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم- أراد الخروج إلى الشام فقال: لآتين محمداً فلأؤذينّه. فأتاه فقال: يا محمد، هو كافر بالنجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلى. ثم تفل في وجه رسول الله ﷺ وردّ عليه ابنته وطلقها..) ينظر الزمخشري: تفسير الكشاف ص٣٧.
(٢) السيوطي: تفسير الجلالين –ص٦٩٧.


الصفحة التالية
Icon