ونجد الدكتور عبد الملك مرتاض يعرّف السرد بقوله هو "التتابع الماضي على وتيرة واحدة"(١).
ولعل هذا التعريف يفي بجزء مما نريد تقريره في مجال السردية القرآنية، إذ ألفيناه يقوم على الموالاة والاسترسالية.
إن السرد القرآني يعني: الأخذ بمجامع القلب والحواس وما يتحرك في الإنسان اللغوي في جميع المستويات (النحوي الصرفي الدلالي الألسني). لأن القرآن "في كل سورة منه وآية، وفي كل مطلع منه وختام، يمتاز بأسلوب (واحد مطّرد) حتى ليكون من الخطأ الشديد-في هذا الباب- أن نفاضل فيه بين سورة وأخرى، أو نوازن بين مقطع ومقطع"(٢).
ولا شك أن دلالة الأسلوب هنا، تعني- في مجملها- معنى السرد واطِّراد النصية الخطابية.
ولكن السؤال الذي ينبغي أن يطرح هو: ما علاقة السرد بالشخصية؟
إن السردية القرآنية- بتمظهراتها المتنوعة داخل القصة- لا تحمل تمايزاتها الخاصة في ذاتها وإنما في علاقاتها مع نمطية شخصية القصة، ذلك أن فاعلية السرد، لا تضاء إلا من خلال الإيحاءات التي تشي بها الشخصيات، سواء على مستوى الخطاب أم على مستوى الحركة المفعّلة في القصة.
هذا من شأنه أن يجرّنا إلى تساؤلين اثنين مرتبطين بالأول. هما:
هل الشخصية في القصة القرآنية محكومة بالتقنيات المميزة للشخصية الوضعية عبر التراث والحداثة؟
وهل تسمح لنا باستكشاف العلاقة البنيوية بينها وبين السرد؟
وهو تساؤل مشروع نجيب عنه حالاً في العنوان المستقل الآتي.
٢-مفهوم الشخصية (من منظور الحداثة والتراث):
قد يكون من العسير الحديث عن الشخصية في الفن القصصي، أو في الأعمال السردية عامة، خصوصاً إذا علمنا أنَّ النظرة نحوها تغيّرت، ولم تعد تلك التي تعوّدنا عليها في القرن الماضي ومنتصف هذا القرن.

(١) عبد الملك مرتاض: ألف ليلة وليلة دراسة سيميائية لحكاية حمال بغداد- ديوان المطبوعات الجامعية ١٩٩٣/ ص٨٣.
(٢) صبحي الصالح: مباحث في علوم القرآن- ط٢/ مطبعة جامعة دمشق/ ص٢٥٨.


الصفحة التالية
Icon