لقد بدأت الشخصية تفقد الكثير من خصائصها في النصف الثاني من القرن العشرين، فقدت سلطتها المطلقة التي كانت تفرضها داخل النص وخارجه. وأنجر عنها تلاشي تلك العلاقات التي تحدد العمل القصصي داخلياً بمقتضى نمطية شخصية يصورها المبدع، بحيث تكون محوراً لكل الشخصيات الأخرى المرافقة لها، يتحّركون في فضاء محكوم بحركة الشخصية الأم. فالشخصية هي كل شيء، فالمكان مكانها، والزمان زمانها، والحوار حوارها، ومنشأ السرد ينطلق منها وينتهي إليها.
إن حضور الشخصية بكثافة، كان يظهر جلياً على المستوى الخارجي، بحيث ألفينا كثيراً من الكتاب يميلون إلى اختيار أسماء الشخصيات ليجعلوها عناوين لأعمالهم الأدبية، مما يجعل حضور الشخصية أمراً ضرورياً ذا سلطة قوية حتى على المبدع نفسه. غير أنه وبفعل عوامل مجتمعة تغير مفهوم الشخصية من منظور أعلام الرواية الجديدة أو السردية الجديدة.(١)
لقد ارتبط هذا التغيّر بكتاب الرواية الفرنسيين الذين من بينهم ألان روب غريب، ميشال بوتور، كلود سيمون، نتالي ساروت وغيرهم.
لقد رأى هؤلاء أن العالم بدأ يتجاوز تقديس الفرد، بحيث أصبح يسعى لتحقيق استقلاله عنه، وأن الفردية ما فتئت تختفي تدريجياً في ظل الحياة الاقتصادية القائمة على الاحتكار والبرغماتية، والتي أفرزت في نهاية الأمر واقعاً جديداً "غابت فيه فاعلية الإنسان، وانحدرت فيه كلّ قيمة جوهرية له، داخل البنيات الاقتصادية المهيمنة، ومن ثم داخل الحياة الاجتماعية كافةً"(٢).

(١) نحن نفضل استعمال السردية الجديدة، حتى لا يكون التجديد مقتصراً على الرواية فقط بل يتجاوزها لكل الآثار السردية الأخرى، بما فيها القصة، وحتى القصة الشعرية.
(٢) ينظر لوسيان غولدمان: -الرواية والواقع- ترجمة رشيد بن حدو ص٤١.


الصفحة التالية
Icon