غير أن العامل الأهم في هذا التحول النوعي في بنية الخطاب الروائي أو القصصي يعود إلى التحول الجذري في الفكر الأوروبي الحديث، الذي أصبح يعيد النظر في مفهوم الإنسان بدءاً من داروين، وفرويد وجاك دريدا وغيرهم.
إن فكرة تغييب الإنسان منشؤها الفلسفة الأوروبية الحديثة.
وفي هذا التوجه يقول فوكو: "ليس الإنسان أقدم المشكلات التي انطرحت على المعرفة الإنسانية ولا أكثرها ديمومة. فالإنسان هو اختراع يبين لنا علم آثار فكرنا بيسر وسهولة حَداثة عهده، وربما وشكان نهايته"(١).
لقد كان هذا التحول ناشئاً، أيضاً من منظور فكر المبدعين أنفسهم بحيث اتفقوا على إحداث القطيعة مع الهيكل الروائي الموروث عن الآثار السردية في القرن التاسع عشر، إنهم مافتئوا يبشرون بتجديد يمس الشخصية خاصة.
إن نظرتهم الجديدة تنطلق من مقولة مؤادها أن "مادة الفن ليست في الذات، وإنما في الموضوع، لأن العالم الخارجي بكل ما فيه من أشياء مادية أصبح يعلن استقلاله عن الإنسان وتمرده عليه... ومن ثم، لم يعد في مقدور الفن تصوير فعل الإنسان في شيء وإنما انفعاله به"(٢).
ولعل إهمال الإنسان مرده إلى انحصار دوره أمام سلطة الآلة وتدهور القيم الأخلاقية والفلسفية والتي أدت إلى اختفاء فرديته.
كما نجد المادية الأدبية تدعو إلى هذا التوجه وهذا التحول، بحيث لا ينبغي للأدب أن يحيل على قيمة خارجية، لأن قيمته تكمن فيه، وأي بحث عنه خارج ذاته يعد ضرباً من الانحراف عن النص وجنساً من التواري عن حقيقته.
إن قيمة الأدب يجب أن تستمد حضورها من العالم الداخلي. إنه يرفض القبلية والجاهز، وسلطة النموذج التي ظل الأدب يتململ في أحضانها دهراً من الزمن.

(١) روجي غارودي: -البنيوية فلسفة موت الإنسان- دار الطليعة للطباعة والنشر/ بيروت/ ط١/ ١٩٨٥ ص١١.
(٢) كرومي لحسن: حول بعض المفاهيم في الرواية الجديدة- تجليات الحداثة/ العدد٣ معهد اللغة العربية وآدابها جامعة وهران/ ص١٢٤.


الصفحة التالية
Icon