إن الخروج من الدائرية الثابتة التي وضعت فيها الشخصية يعد طموحاً أدبياً مشروعاً، فرضه التغير المستمر للحياة وزمنها الذي لا يعرف التوقف.
وعسى أن يكون هذا الطموح قد تحقق في السردية الجديدة التي لم تعد تلتزم بقيود سردية القرن التاسع عشر، بل انفلتت من قبضتها، وتمردت على سلطانها. لقد تحوّلت إلى بحث دائم، من شأنه السعي إلى تعرية واقع مجهول يقصي الإنسان ويحيله إلى كائن من ورق.
لقد تغيّر كل شَيء إذن، ولم يعد العصر عصر ثبات واستقرار للقيم، بل على العكس من ذلك، حيث وقع العالم المعاصر تحت سحابة من الشك بفعل تأثير الفلسفة الديكارتية، الأمر الذي جعل الأدب في تأثر مستمر ودائم لحركية الفعل الفلسفي ولمتناقضات العصر بوجه عام.
وفي هذا السياق يقول ألان غرييه: "إن معاني العلم من حولنا الآن، ليست إلاّ جزئية ومؤقتة ومتناقضة، وقابلة دائماً للنقاش والبحث، فكيف يستطيع الروائي أن يدعي تصوير معنى معروف مسبقاً، مهما كان هذا المعنى"(١).
ولعل البديل الحاضر في ظل تصورات النصف الثاني من القرن العشرين، وبخاصة ما يتعلق بالشخصية، هو أن النظرة إليها تغيرت وفق معطيات تمت الإشارة إليها سابقاً.
إن الشخصية الآن، تقلّص حضورها داخل العمل السردي، وكادت ملامحها الجسدية والنفسية تتلاشى. فقد لا نجد لها اسماً، ولا مؤشراً، ولا أي ملمح يقرّبها من القارئ، بحيث ألفينا كتاباً كأندري جيد مثلاً، والذي لم يذكر اسم شخصيته بل "كان يكتفي بذكر الاسم الشخصي فقط... وبطل كافكا، سمي بالحرف الأول(K).. وجيمس جويس استعمل بعض الحروف مثل (H.C.E) وهكذا"(٢).

(١) آلان روب غريي: -من أجل رواية جديدة- ص٣٠ نقلاً عن كرومي لحسن- تجليات الحداثة- العدد٣ ص١٣٠.
(٢) كرومي لحسن: -تجليات الحداثة- ص١٣١/ عدد٣.


الصفحة التالية
Icon