غير أن الشخصية-في ظل كل هذا- تولد غامضةً، يميزها الإحساس بالإخفاق والقلق والاضطراب والمساءلة، فهي تَطْرَحُ وتُطرَحُ من حولها طائفة من الأسئلة والافتراضات. هي تُولَدُ هكذا، الشيء الذي جعل الاهتمام بها راجعاً إلى القارئ وحده.
لقد ولَّى عصر تقديم القيم الإنسانية جاهزة.
هناك نقطة أخرى تميز هذه الدعوة الجديدة التي تولّدت وفق هذا التصور الجديد للشخصية، هي أن العناية أصبحت منصبة على القارئ وعلاقته بالنص.
ذلك أن النص الإبداعي أصبح يتمتع باستقلالية بعيدة عن المعهودية الجاهزة.
ومن هذا المنظور فإن جمالية النص لا تتكشّف إلا للقارئ. ومن هنا بات حضوره أمراً ضرورياً يتماس مع مبادئ السردية الجديدة في توجهاتها، بحيث ألفينا روادها يركزون على أهمية القراءة" فمنهم من أقام نظريته النقدية على القراءة بدل الكتابة (سبانسو مثلاً) ولقد أبرز بارث ودريدا فكرة النص كنقيض لفكرة العمل الأدبي، من حيث إن النص نشاط لغوي إبداعي يمكن حصره داخل حدود معينة..
ولا معاملته على أنه شيء يخرج من يد منتج هو المنشئ ليتلقاه مستهلك هو القارئ، ولكنه يوجد على يد قارئ نفسه الذي يقوم بدور الشريك بدل المستهلك"(١).
وربما يكون التوجه نحو القارئ قد حدّ نسبياً من سلطة المبدع وحرّر القارئ، الشيء الذي جعله مشاركاً في بناء النص، بل وفي تفكيك دلالاته المتناثرة هنا وهناك، والعمل على انتشاله من عالمه الهادئ لرميه في أحضان النص الذي يصبح جزءاً منه، مشاركاً في حركية شخصياته.
ولعل هذه الرؤيا تتماس مع رؤية الجابري وهو يعالج قضية المعاصرة والتراث بقوله "إنها رؤية ريادية استكشافية تستكشف الطريق، وتسبّق النتائج وسط حوار جدلي بين الذات القارئة والذات المقروءة"(٢).
(٢) الجابري: نحن والتراث. /قراءة معاصرة في تراثنا الفلسفي/ المركز الثقافي العربي/ ١٩٨٦/ ط٥
ص٢٥.