وفي هذا السياق يقول ميشال فوكو "يعلم كل منا أن الروائي يبني شخصياته شاء أم أبى.. انطلاقاً من عناصر مأخوذة من حياته الخاصة، وأن أبطاله ما هم إلا أقنعة يروي من ورائها قصة، ويحلم من خلالها بنفسه، وأن القارئ لا يقف موقفاً سلبياً محضاً بل يعيد من جديد بناء رؤيا أو مغامرة ابتداءً من العلاقات المجمعة على الصفحة، مستعيناً هو أيضاً بالمواد التي هي في متناول يده، أي ذاكرته، فيضيء الحلم الذي وصل إليه، بطريقته هذه كل ما كان يغشاه من الإبهام"(١).
إن خصائص كثيرة ظهرت بميلاد السردية الجديدة المحصورة في الفن الروائي زيادة على ما أحصينا سابقاً، من ذلك كثافة الضمائر والانتقال من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم، وَتوظيف الآخر كصيغة حاضرة في العمل الإبداعي، واختلاف بؤرة السرد من ناص(٢) مساهم في الأحداث إلى ناص مختف لا ينشط إلا وراء الشخصية ولا تَتَجَاوَز معرفته معرفة المتلقي أو الشخصية، وغير ذلك كثير.
والسؤال الذي يطرح:
ما موقف القصة القرآنية من هذا كله؟ وهل فيها تواشجات من هذا الفيض العارم؟
إن الوعي النقدي بجدلية التعبير يطرح اليوم وبحدة أكثر من تساؤل، لتشمل هذه المساءلة المؤشرات الفكرية والأدبية بطريقة تماسية، بحيث تفضي إلى إعادة النظر في بعض المفاهيم التي استقر عليها عرف النقاد المشتغلين في حقل الفن القصصي، وذلك يتجاوزها وتعويضها بالمعرفي الحداثي، أو بالإبقاء على جزئياتها وحيثياتها ومحاولة صقل ما تبقى منها ووضعه على الراهن والمتحيّن برؤية كشفية جديدة أو متجددة.

(١) ميشال بوتور: بحوث في الرواية الجديدة –ترجمة أنطونيوس- منشورات عويدات-ط١- بيروت ١٩٧١ ص٦٤. نقلاً عن سعيدي محمد تجليات الحداثة العدد ٣- ص١٥٣.
(٢) من توليدات الدكتور عبد الملك مرتاض استكمالاً لأركان النص، ألفيناه يشهره في كل مداخلاته.


الصفحة التالية
Icon