ولعل ما يهمنا من هذه التقدمة لفصل الشخصية، هو ما استقرأه النقاد واستصوبوه في حقل النقد الأدبي. من ذلك تلك التعاريف المتعلقة بالشخصية والتي ما فتئ يشهرها المشتغلون(١) في الفن القصصي، معتبرينها قياساً ينبغي التزامه، والخروج عنه يعد بدعة (فنياً).
غير أن هذا القياس يكون قد جنى على الأدب جناية خفية، بحيث عطّل الفكر وجمد الطاقات وأصبح "في شكله الميكانيكي ذلك العنصر اللا متغير (الثابت) في نشاط بنية العقل العربي، العنصر الذي يجمد الزمان ويلغي التطور، ويجعل الماضي حاضراً باستمرار في الفكر والوجدان ليمدّ الحاضر بـ (الحلول) الجاهزة"(٢) الأمر الذي فرض قراءة متجددة واعية تعيد النظر في بعض المفاهيم الجامدة التي ظلت على حالها، ذلك أن "إعادة القراءة في ضوء العصر تختلف جذرياً عن قراءة العصر في ضوء الفقه المعطل والجامد"(٣).
والواقع أن التجمد- في حقيقته- لم يصب حقل الفقه وحده، بل على العكس، ظل الفقه هو الباب العقلي الاجتهادي الوحيد المفتوح على مصراعيه لكل متمرس جادٍ. إنما الجمود قد أصاب الإنسان في كلية أبعاده وأنشطته.
وفي هذا السياق نجد ابن رشد "يؤكد على وجوب استعمال القياس العقلي والشرعي معاً".(٤)
(٢) الجابري-نحن والتراث- المركز الثقافي العربي /ط٥/ ١٩٨٦.
(٣) سعد الله ونوس: -بين الحداثة والتحديث، في قضايا وشهادات- (عدد خاص بالحداثة) مؤسسة عيبال- الدار البيضاء ١٩٩٠/ ع١/ ص٨.
(٤) ابن رشد: فصل المقال: -تقديم وشرح د. أبو عمران الشيخ والأستاذ جلول البدوي- الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر ص٢٣ وما بعدها.