إن الشخصية- بوصفها عنصراً قابلاً للتأويل ومفعّلاً للحركة داخل النصوص الأدبية- تستدعي منا أن ننظر إليها بمنظار جديد، لأننا إذا جئناها من منظور ثقافة العصر الحديث، وجدناها لا تعدو أن تكون ململمة في تلك المسميات(١) التي منحها لها النقاد.
غير أن النظر إليها تغير وفق مستجدات حداثية أضاءت العصر بإضاءات جديدة، بوصفها تياراً أدبياً ونقدياً ذا سلطة قوية فرضت نفسها لأن "الحداثة اليوم حداثة غازية كاسحة، إن لم تأخذ بها أخذتك، وإن لم تعمل جاهداً من أجل المساهمة في صنعها، أو على الأقل من أجل تبيئتها في واقعك وخصوصيتك، جرفتك واقتلعتك من جذورك، أو همشتك وألقت بك خارج الحاضر والمستقبل، تَجْتَرُ الماضي، بل يجتر الماضي نفسه فيك"(٢).
فالشخصية في النص الأدبي، لم تعد تلك التي تظهر بوضوح، سواء بتدخل السارد أم من خلالها هي، بل أصبحت مجرد "أداة فنية يبدعها المؤلف لوظيفة هو مشرئب إلى رسمها، فهي-إذن- شخصية ألسنية قبل كل شيء، بحيث لا توجد خارج الألفاظ بأي وَجه، إذ لا تعدو أن تكون كائناً من ورق"(٣).
ولما كانت الشخصية تتخذ مثل هذه الأبعاد، تعقدت وأصبح النظر إليها يتطلب جهوداً في مجال النقد الأدبي، تستدعي تفعيل أدوات إجرائية تفكك تلك التشاكلات التي أصبح عليها حال الشخصية.
(١) قصدنا التأثيلات الاصطلاحية المتعلقة بالحقل الروائي، كما راجت في وسط النقد الروائي العربي في مطلع هذا القرن | منها الشخصية النامية، الرئيسية، الأيديولوجية، الثانوية، المحورية، وغيرها. |
(٣) عبد الملك مرتاض: القصة الجزائرية المعاصرة/ المؤسسة الوطنية للكتاب/ ١٩٩٠. ص٦٨