ولعل أوّل إجراء يكون قد حاول معالجة موضوع الشخصية في القصة القرآنية- بالمفهوم الفني ولو بسيطاً- هو ما لمسناه عند سيد قطب في كتابه "التصوير الفني في القرآن"، بحيث جعل الشخصية القرآنية تتحرك من كل الجوانب، وكشف عن انفعالاتها، وجوَانبها المختلفة، من جسدية، نفسية ونزوعية، فغدت أبطالاً تضرب في الأرض تسعد وتشقى، تخفق وتنتصر، تنشر العدل، وتزرع الفضيلة أو هي كما يقول "شخصية شاخصة مجسّمة بشكل بارزٍ، وهي شخصيات حية متحركة، واضحة الملامح، بارزة السمات، ترتسم على محياها شتى العواطف والانفعالات، وتبرز من خلالها (نماذج إنسانية) كاملة خالدة تتجاوز حدود الشخصية المعينة إلى الشخصية النموذجية"(١).
غير أن التعامل مع الشخصية القرآنية في ضوء السردية التقليدية القائمة على الإِلقائية- لم يعد مجدياً خاصة في علاقة السرد ببناء الشخصية، الأمر الذي جعلنا نسترشد المعطيات الحداثية في مقاربة الشخصية القرآنية، لأنها- كما تبدو من خلال مظهرها البنائي- تمثل سلسلة من الممارسات التعبيرية التي تتلون بموازاة مع المضمون الذي سيقت فيه، الشيء الذي يحتم في معالجة الشخصية القرآنية أن "نميّز بين الاستعمال الحر للنص الذي يعتبر استمراراً للتخيل وبين التأويل للنص المفتوح ونؤسس حول هذه الحدود، وبدون إبهام إمكانية ما يسميه بارث بنص المتعة(٢)".(٣)

(١) صلاح عبد الفتاح الخالدي: -نظرية التصوير الفني عند سيد قطب- دار الشهاب باتنة الجزائر ١٩٨٨ ص٢٣٨.
(٢) ليس المقصود بالمتعة هنا تلك التي تتعلق بالقصدية الجسدية التي تنُم عنها كتابات رولان بارث وإنما هي المتعة الروحية الاتعاظية المرتبطة بالسرد القرآني في عمومه.
(٣) أمبرطوإيكو: -الاستعمال والتأويل (القارئ النموذجي) ترجمة: أحمد بوحسن/ مجلة آفاق/ اتحاد كتاب المغرب/ عدد ٩. ٨/ ٨٨ ص١٤٥.


الصفحة التالية
Icon