غير أن السرد الذي يفرض نفسه بثقل، هو ذلك السرد الإجرائي الذي يؤدي إلى قراءة جديدة للعلاقات التقليدية وتعويضها بعلاقات نسيجية بنائية، من شأنها لملمة الخيوط الدرامية التي تفعِّل الشخصية وتعمل على تنامي مساراتها المختلفة، ومن ثم يظهر بناؤها، لأن السرد الذي نقصد نتمثّله "كالبناء أو النساج، والصورة الذهنية المنطبقة كالقالب الذي يبنى فيه، والمنوال الذي ينسج عليه"(١).
ولعل السرد القرآني يكون على هذه الشاكلة وبخاصة في معطاه القصصي، فنحن نتمثله خزاناً لا ينفك يمدنا بأنواع سردية لا تحصى لأن "القصص القرآني هي المعرض الواسع والمعين الثّر والمنجم البكر، الذي يقف فيه المرء على السنن النفسية والاجتماعية والإيمانية في الفرد والمجتمع والأمم"(٢).
وتبعاً لتنوع السّرد تتنوع الشخصية، الأمر الذي يجعلنا لا نستطيع إحصاء العدد الهائل لأنواع الشخصيات القرآنية. وحسبنا فقط أن نتعرف على أنواعها، فهي عالم قائم بذاته، تتنازع فيه الأرواح البشرية والملائكية والنبوية والجنّية والحيوانية والشيطانية، إنه عالم ملكوتي من الصعوبة تحديده كلّه.
ومما يدعو إلى التساؤل، هو أننا ألفينا بعض النقاد يصنف ألف ليلة وليلة في قمة الآثار السردية بقوله "لا أخال أن أثراً سردياً في العالم، يرقى إلى درجة ألف ليلة وليلة، فيما يعود إلى بناء الشخصية وتنوعها، وكيفية التعامل معها، ثم كيفية تعامل بعضها مع بعض"(٣) على حين نجد النص القرآني-بموازاة لهذا الرأي- هو الأسنى والأغنى.
وعلى العموم فإن النَّص القرآني متجدد يفعِّل الشخصية ويفجرها، وهو ما نتطرق له حالاً.
ثانياً: النموذج السردي المنتخب:

(١) ابن خلدون: المقدمة/ المجلد١/ ط٢/ مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني/ بيروت ١٩٧٩ ص١١٠٢.
(٢) د. عدنان زرزور: -القرآن ونصوصه- مطبعة خالد بن وليد/ ١٩٨٠/ ص٣٣٢.
(٣) د. عبد الملك مرتاض- ألف ليلة وليلة... ص٥١.


الصفحة التالية
Icon