وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى مضمونية هذا الطرح بدءاً بالهزة الأدبية الإعجازية التي أحدثها هذا المتن الذي كان تحولاً في حياة العرب الأدبية. وطالما قرأنا أخباراً عن تأثر سلاطين البلاغة وأرباب البيان بالنص القرآني. ولعل أعلام العصور الأولى يكون قد استشعرها هذا الطرح (حيث روي عن ابن مسعود أنه قال: من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن)
غير أن هذا التثوير ظل قائماً على وتيرة استرجاعية مديحية، مما أحال معظم الدراسات القرآنية إلى ركام من الألفاظ المكررة، مما جعل مبدأ التثوير معطلاً جاثماً ولازماً ثابتاً.
على حين نجد الإنتاجات الأدبية (إبداعاً وتنظيراً) في مجالات أخرى تتصل بالنصوص الوضعية، قد توهج فيها هذا المبدأ بطريقة تجاوزية غورية، فعلت النص وأخرجته من سكونه المميت.
والواقع أنها حققت رؤى نقدية جديرة بالمتابعة، لأنها في مدارستها نهضت على مبدأ القلق والحيرة والافتراض والتأويل. على حين ظل المتن القرآني بعيداً عن مثل هذه المقاربات النقدية التي من شأنها ملامسة جوهره وتمظهراته البنيوية والإيقاعية والسردية... وهلم جرا. بمعنى آخر ظلت القراءة أحادية بالنسبة لهذا النص الكريم. وفي خضم هذه الجدلية يحاول هذا الكتاب محاورة أدبية الخطاب القرآني ضمن رؤية كشفية تقوم على الذائقة الجمالية، وتلغي قناعات النص في طروحه الناتجة عن حصيلة الحكم الجاهز وتقصي تلك المقاربات التقليدية التي اغتدت عاجزة عن أن تستوعب العلاقات المختلفة التي يطرحها النص في ظل عالميته وخلوديته التي ظل ينشدها (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) هذا العالم الآن يحيا في ظل العولمة التي تعقدت فيها معطيات العصر وتشابكت، وفي ذات الآن تقاربت وتفاعلت.
١-الزركشي: البرهان في علوم القرآن ج١ ص٤٥٠.


الصفحة التالية
Icon