فالرحمة -من هذه الوجهة- لا ينبغي أن تحمل مفهوماً واحداً ينحصر في الهداية والرشاد، بل تشمل العلم والحضارة والتطور، وحتى العولمة بمفهومها الإسلامي المتجسد في آية (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) فضلاً عن العلم الديني والأخلاقي والتشريعي الذي يبسط جناحه على الفكر الإسلامي بصورة عامة.
ولقد نعلم أن دراستنا هذه، إذا كانت تتصل بإعجاز القرآن وما ينبثق عنه من مسائل أفاض فيها المفسرون فإنها لا تفي بالغرض المنشود، لذلك فضلنا أن نجنح بهذا المتن العظيم إلى عوالم قرائية محكومة بظابطين: الإيمان بالمنقول، والاجتهاد بالمعقول، معتمدين في ذلك على أنواع من القراءات التحليلية والتركيبية التي نأخذ منها ما يناسب هذا الكتاب العظيم، ونلغي ما يتعارض مع توجهنا الإسلامي وفطرتنا التي فطرنا الله عليها، وفي الوقت ذاته نزيح عن هذا النص العظيم ذلك التراكم المديحي الذي أحاله إلى تحفة بلاغية محصورة في ذاكرة الإنشائية والحشو الزائد.
غير أن هذا الانعطاف الذي نستشرفه- وإن شكل مساراً جديداً وأحدث قطيعة مع الممارسات الكلاسيكية- فإنه غالباً ما يتخذ من تعدد وتنوع الفعل القرائي أسلوباً يعالج به تلك المساءلات والافتراضات والتأويلات التي ما تفتأ تشي بها مفردات القرآن الدلالية.
وإذا كان المنهج القرائي بهذه الأهمية فسيعرف في قطاع أدبية النص القرآني-لا مناص- تنوعاً في المعاني والدلالات، بالرغم من اختلاف المنطلقات والأنماط الثقافية التي تولد في كنفها هذا المنهج أو ذاك.


الصفحة التالية
Icon