ولقد تبين من خلال ذلك أننا أمام رؤى جديدة تؤسس تصوراتها ومفاهيمها مما استجد في هذا المجال في الدراسات الغربية بالأصالة وامتداداً إلى نظيرتها العربية بالتبعية، مما جعل المفاهيم التي استقر عليها عرف النقاد والتي مارست سلطتها ردحاً من الزمن، في تطور وتجدد مستمرين، الأمر الذي يستدعي الوقوف عند الجديد وإعادة النظر في القديم بقراءته قراءة واعية استكشافية.
إن المفاهيم المتعلقة بالشخصية والسرد وما يتبع ذلك من مقومات تتصل بالأصول السردية قد تغيرت بفعل عوامل متضافرة حداثية تحاول أن تؤسس مشروعاً نقدياً وإبداعياً ينهض وفق هذا التصور.
من منظور هذا الطرح، وجد هذا الكتاب نفسه يتحدث عن مستويات السرد الإعجازي في القصة القرآنية، وفي ذات الآن يجيب عن تساؤلنا الذي ظل يراودنا- لأن الذي نتحسسه ونحن نباشر النص القرآني- هو كيف نستكشف لا محدودية هذا النص المقدس من حيث تنوعاته السردية وعطاءاته التي لا تنتهي؟ وهنا تبرز- وبإلحاح- ضرورة الاعتماد على المناهج القرائية الحداثية التي لها من القدرة ما يمكنها من الغوص في أعماق هذا المتن لاستجلاب مكبوتاته التي لا يقذفها لمجرد ملامسته بل يحتاج إلى رؤية غورية إفضائية تجاوزية.
ولعل استخدامنا لمصطلح مستويات بدل تقنيات يرجع إلى محاولة تخليص النص القرآني من الشعور بالآلية والتجريد من النفحات الأدبية التي تعتمد على الشعور والمدركات المعنوية، كالخيال والتأمل وما يرافق ذلك من مظاهر التفكير المعروفة.
أما كوننا عددنا المستويات السردية فلأنها كذلك في القصة القرآنية، بحكم أن النص القرآني يعتبر أغنى الآثار السردية العربية بأنواع السرد، لما يتوفر له من مقومات السرد العبقري المعجز.
إلا أن هاجس التطلع إلى الجديد يظل محظوراً بحكم قدسية النص وما يترتب عن تجاوزيته من أحكام عقابية.