وبذلك يكون قد انتهى عصر الطغيان والظلم والتسلط ليفسح المجال في وجه امتداد دعوي قائم على العدل والمساواة والخلافة في الأرض تحقيقاً لآية: ﴿ ولَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبَادِي الصَّالِحُونَ ﴾ (١).
وفي ختام هذا الفصل يمكن الإشارة إلى ظاهرة فنية تتميز بها السردية القرآنية وهي أن النص القرآني- في كل قصة منه- ينحى منحى جديداً في أن يميز كل قصة بميزة تخصّها هي.
ففي قصة القصص هذه نجد القاسم المشترك بين بدايتها ونهايتها ممثلاً في اليم.
حيث في بداية القصة قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فألقِيهِ فِي اليَمِّ ﴾ (٢).
وفي نهايتها قوله: ﴿ فَأَخَذْنَاهُ وجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُم في اليَمِّ ﴾ (٣).
ولعل الشيق يظهر في أن كليهما إلقاء في اليم. ولكن، كيف يكون الإلقاء نجاة هناك وإغراقاً هنا. إذا علمنا أن اليم واحد؟
إنها المفارقة والحد. وببساطة إنها التقنية القرآنية.
إن الملاحظ لهذه القصة كاملة- من بدايتها إلى نهايتها- يجدها تقوم على مبدأ الثنائية (Le dualisme). ولعلها تكون سمة هذه القصة.
يظهر هذا بالترتيب، كالآتي:
-اليم: ذكر مرتين: ﴿ فَألْقِيه في اليمِّ﴾ ﴿فَنَبَذْناهُم في اليمِّ ﴾
-الأم + الأخت: يربيان موسى بداية في الكوخ.
-فرعون وزوجه: يربيانه في القصر.
-الحكمة والعلم: ﴿ آتيناهُ حُكْماً وعِلماً ﴾.
-الرجلان المقتتلان: ﴿ فوجدَ فِيها رجُلينِ يقتتلانِ ﴾.
-المدينة: ﴿ ودخلَ المدينَة ﴾ ﴿ فأصْبَح في المدينةِ ﴾.
-الخوف والترقب: ﴿ فأصبحَ في المدينةِ خائفاً يترقَّبُ ﴾.
......... ﴿ فخرجَ مِنها خائفاً يترقَّبُ ﴾.
-المرأتان: ﴿ ووجَدَ مِن دونِهم امرأتَيْنِ ﴾.
-شرطا شعيب: ﴿ أيَّما الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ ﴾.
-موسى وأهله: ﴿ فلمَّا قَضَى مُوسى الأجلَ وسار بأهْلِهِ ﴾.

(١) الآية ١٠٥ سورة الأنبياء.
(٢) الآية ٧ سورة القصص.
(٣) الآية ٤٠ سورة القصص.


الصفحة التالية
Icon