ويمكن أن نحيل في هذا الشأن إلى الوعي المبكر الذي أبداه فقهاؤنا الأجلاء في ممارسة التأويلية إجرائياً على النص القرآني خاصة، فضلاً عن اجتهادهم في مناقشة مفهومها. قال الراغب: التفسير أعمّ من التأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ، وأكثر استعمال التأويل في المعاني، كتأويل الرؤى، وأكثره يستعمل في الكتب الإلهية... وأما التأويل فإنه يستعمل مرة عاماً، ومرة خاصاً نحو (الكفر) يستعمل تارة في الجحود المطلق، وتارة في جحود البارئ خاصة...
وقيل التأويل "كشف ما انغلقَ منَ المعنى"، ولهذا قال البجلي: "التفسير يتعلق بالرواية والتأويل يتعلق بالدراية، وهما راجعان إلى التلاوة والنظم المعجز الدال على الكلام القديم القائم بذات الرّب تعالى. قال أبو نصر القشيري: (ويعتبر في التفسير الاتباع والسماع. وإِنما الاستنباط فيما يتعلق بالتأويل)". (١)
والواقع أن التأويلية مظهر لغوي تشي به الحداثة، ولا ينفك أن يقترن بها ويلازمها، لأن الحداثة يؤرخ لها بميلاد الحركة التأويلية..
وفي هذا السياق، يمكن أن نحيل إلى رأي أدونيس خدمة لهذا المنزع، فالحداثة عنده "بدأت سياسياً بتأسيس الدولة الأموية، وبدأت فكرياً بحركة التأويل"(٢).
غير أن التأويل في ميدان اللغة ـ في معظمه ـ يكون متزعَّماً من قبل أعلام مدرستي البصرة والكوفة.
وليس مقصدنا من إيراد مثل هذه الشواهد أن نحتفي بالتراث بدافع الرغبة في الكشف عن مكنوناتنا المرجعية التي تميزنا عن الغرب، بقدر ما هو استظهار لمخزوننا الإبداعي المشرق، والذي رغم مرور الزمن يغتدي
حداثياً...
(٢) أدونيس : الثابت والمتحول/ ج٣/ صدمة الحداثة/ دار العودة بيروت/ ط٤/ ١٩٨٣، ص ٩.