فنحن ـ إذن ـ "لا نتردد ـ كما لم يتردد معظم الذين سبقونا إلى ذلك من النقاد الخريتين(١) الحداثيين ـ في أن نصنّف ابن جني وعبد القاهر الجرجاني، والقرطاجني والجاحظ أيضاً ـ في بعض تأملاته ـ في الحداثيين، فكأن أفكارهم ونظرياتهم قيلت اليوم، ولا أقول بالأمس القريب"(٢)..
ولعل التأويلية ـ في ظلّ الحداثةـ تعتبر عودة أساسها التقدم، عودة لأننا رجعنا إلى التنقيب في تراثنا الأدبي بغية استكشاف ما يتلاءم ومعطيات عصرنا الفنية. وتقدم، لأننا نسعى إلى تفعيله في الحركة النقدية اليوم، ليس إعادته كما هو، بل نعمل على تطويره، وفق تصور استكشافي يعمل على تحويره وتجاوزه...
غير أن "هذا التجاوز الإبداعي هو تأسيس لنظام جديد ينبثق من داخل النص، تتحرك به الدوال، نحو مدلولات، تتشكل كناتج إبداعي لعلاقات الدوال مع بعضها البعض"(٣).
ولكن هذا التجاوز ينبغي أن يشمل الأبعاد الغورية التي نفترض أن تنتج وراء القراءة التجاوزية التي يتحوّل فيها النص إلى شبكة من الدلالات والرموز، بحيث تغدو القراءة تأويلاً لما قيل وطرحاً لما يقال.
وفي هذا السياق يتطلع بعضهم نحو آفاق القراءة الواعية للنص بحيث "يمكن أن يقرأ بتجاوز لمعناه التواضعي والاصطلاحي، وهذه القراءة هي نوع من اللعب الحر، وعلى هذا الأساس فإن تأويلات النص وتعدداتها متعلقة أساساً بمؤهلات القارئ، فالنص بمثابة بصلة ضخمة لا ينتهي تقشيرها"(٤)، لأن مبدأ التأويلية ينتج عنه شراكة حقيقية بين النص والمتلقي، الأمر الذي يجعل القاعدة التخاطبية التي تتصل بقرار تأويلي آخر، هي ـ في جوهرها ـ عملية توسيع دائرة التأويل التي يفعّلها المتلقي...

(١) من استعمالات د. مرتاض الشهيرة.
(٢) ينظر عبد الملك مرتاض: كلمة العدد في مجلة تجليات الحداثة/ العدد١/ ١٩٩٢، ص ١٠.
(٣) د. عبد الله محمد الغذامي: لماذا النقد الألسني؟.. تجليات الحداثة ـ ع٢ ـ ص ١١٨.
(٤) محمد مفتاح: مجهول البيان ـ ص ٩٠.


الصفحة التالية
Icon