من هنا كانت مقاربتنا له متصلة بما يفيض به من دلالات سردية، نحسبها عمدة لما يعرضه هذا النحو من النصوص المقدسة..
فالسردية القرآنية هي ـ بالأساس ـ سردية نصية أزلية مفتوحة، الشيء الذي جعل الدراسة التي تنشأ من حولها مفتوحة مطلقة تلامس نواحي ـ في النص ـ متنوعة، إن على مستوى البناء أم على مستوى المضمون.
قبل الشروع في هذه الدراسة المركبة نشير إلى المناسبة النزولية أو سبب النصنصة(١)، لأنها تضيء جوانب النص الخفية، وسيتأكد ذلك بعد حين، لدى تناولنا النص كلّه لنكتشف خصيصة البناء والهدم التي تمارس على
الشخصيات...
"أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه مجنون، ثم شيطان، فنزلت: ﴿ مَا أَنْتَ بِنْعمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾ (٢).
لقد روي أن قوله تعالى: ﴿ ولا تُطِعْ كُلَّ حَلاَفٍ.... ﴾ نزلت في "الوليد بن المغيرة المخزومي وكان موسراً، وكان له عشرة من البنين، فكان يقول لهم وللحمته: من أسلم منكم منعته رفدي ـ عن ابن عباس ـ "(٣) وقيل الوليد بن المغيرة، عرض على النبي ﷺ مالاً وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه"(٤).
من خلال العلية التي يشي بها الشاهدان، نكتشف أن مدار القصة ينهض على التصويرية الخطابية المشحونة بالحقد الموجه نحو عقيدة رسالاتية تبليغية جديدة، ويقوم أيضاً على مبدأ المواجهة الإلهية التي تُعرِّي الوليد، الشخصية المشاركة في المعمارية السردية.

(١) من توليدات د. عبد الملك مرتاض ينظر تجليات الحداثة ـ ع٣ ـ ص ٢٥.
(٢) السيوطي: لباب النقول في أسباب النزول ـ الدار التونسية للنشر ـ المؤسسة الوطنية للكتاب ـ ط٣ ـ ١٩٨٤ ـ ص ٣٠٦.
(٣) الزمخشري: تفسير الكشاف ج٤ ـ ص ١٩٧.
(٤) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن ـ ج١٨ ـ مطبعة دار الكتاب ـ القاهرة ـ ط٢ ـ ١٩٦٦ ـ ص ٢٣١.


الصفحة التالية
Icon