إن السردية القرآنية- عنوان كتابنا- تعتبر مظهراً يتفاعل مع مكونات الخطاب القصصي، وبخاصة في عنصر الشخصية، مما يفرض السؤال: ما علاقة السرد القرآني ببناء الشخصية؟
وهي الرؤيا التي رافقنا في الفصل الأول للبحث عن سؤال التأمل الذي يشتغل على فضاء التعدد والاستشراف.
وقد تناولنا فيه جوانب تتعلق بالشخصية من منظور حداثي، مع الإشارة إلى النظرة التقليدية، وأيضاً حاولنا تتبعها من خلال قصة موسى في سورة القصص وتحركاتها عبر المدد السردي وعلاقتها بالأحداث وجوانب البيئة وتأثيرها في توجه حركة الشخصية الرئيسية، وما ينتج عن ذلك من تغييب لبعض أسماء الشخصيات في حدود فنية تتماس- في نظرتها- مع ما يسمى بالسردانية الجديدة، ثم تطرقنا لمظهر الأحداث تصنع البطل. فاغتدت أحداثاً متنوعة بين الحدث الصادق، فالخارق، فالمحظور فالعاطفي، وقد تجلت في تحركاته الموسومة بالقلق والاضطراب مما استحال إلى شخصية مركبة. ثم ظهور الشخصية الوحي والمرهصة بالحس النبوي والمحاطة بطقوس استقبال الرسالة.
والواقع أن السردية القرآنية مكونة من عناصر متباينة من شأنها استحداث أدبية السرد. هذه المكونات هي التي تشكل الفصل الثاني، المعنون بـ: مكونات السرد في الخطاب القرآني القصصي. في البداية تنظير حول التأويلية وعلاقتها بالمتلقي، كما ذكرنا بعض الشواهد التي تعتبر التأويلية مسوغاً إجرائياً حدثياً يمليه الشرع ويزكيه الفن ويباركه الفعل التنويري.
وليس مقصدنا من إيراد مثل هذه الشواهد هو أن نحتفي بمخزوننا التراثي المشرق إنما القصد، هو أن نبين أن من الباحثين أفراداً عالجوا في تخريجاتهم القرآنية النص المقدس من خلال استنطاق مادته اللغوية. إذ شرعوا الدلالة عبر آفاق تمس راهننا ولا تكرر معاني يحملها التراث بشبه تداولية لا تجديد فيها.