ومن الواضح أننا ـ بنظرتنا هذه إلى الإيقاع ـ نصل إلى بنياته الدلالية العميقة التي لا يعرضها النص على السطح، ولكنها تكون مفهومة برؤية تجاوزية تأملية وكشفية إلى مستوى أعمق من الوعي التفكيكي.
٢ ـ الإيقاع القرآني:
إن الإيقاع القرآني هو "تلك الظاهرة التي تقوم على التكرار المنتظم"(١). وهي نظرة تجعله متميزاً ـ في جوهره ـ عن النصوص الأدبية الوضعية، في كونه يتلوّن تبعاً لاختلاف النصوص من حيث مضامينها وأشكالها، ويزداد تلوناً، حين يتحوّل إلى لغة كشفية تتلاحم داخلياً عبر النسوج النصية، مما يستدعي طاقة تثقيفية تعمل على تفجيره من العمق.
ولعل أقرب تعريف يلامس إيقاعية النص القرآني هو ما أشار إليه بعضهم بقوله: "إنّا ألفينا القرآن العظيم يقوم جمال نظمه أساساً في رأينا، على اصطناع الإيقاع العبقري الذي يطبع بنية كل سورة من السور بطابع إيقاعي يكون هو الخاصية الأسلوبية التي تبهر وتسحر".(٢)
غير أن الإيقاع القرآني ـ في تمظهره ـ يتخذ بعداً إعجازياً، مما يعطيه شرعية الحضور بوصفه مصطلحاً فنياً كرَّسه المتن القرآني، وأوجده كتقنية فنية اضطلع بها وحده، ومن ثمة فإنه مظهر من مظاهر معجزة القرآن الموسوعاتية، بحكم ما يتمتع به من جمالية إعجازية موسومة بخاصة تلازم المنهج لها: "ولكن معجزة الرسول هي عين منهجه، ليظل المنهج محروساً بالمعجزة وتظل المعجزة في المنهج".(٣).
وقد تكون هذه إحدى الغايات التي جعلت النص القرآني مؤبد الحضور، ومميزاً بخاصية الخلود..
نعود ـ إذن ـ إلى إيقاع قصة الوليد.

(١) د. عبد الحميد جيدة: الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر ـ ص ٣٥٧.
(٢) ينظر د. عبد الملك مرتاض: دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة (أين ليلاي؟!) ص ١٤٩.
(٣) محمد متولي الشعرواي: المختار من تفسير القرآن ج١، دار الشهاب ـ باتنة ـ ص ٦.


الصفحة التالية
Icon