ن: حرف كغيره من الحروف التي بدئت بها بعض سور القرآن. ولها تفسيرات عدة أهمها: "أنها إشارة للتنبيه إلى أن هذا الكتاب مؤلف من جنس هذه الأحرف، وهي في متناول المخاطبين به من العرب ـ ولكنه مع هذا ـ هو ذلك الكتاب المعجز... الذي يتحداهم مرة ومرة ومرة... فلا يملكون لهذا التحدي جواباً"(١)..
وهذا الرأي عليه جمهور المفسرين. لأنه يجسد مبدأ الإعجازية القرآنية.
والواقع أن التفسير المناسب لدراستنا هو ما أورده القرطبي بقوله: "وروى ثابت البناني أن "ن" الدواة. وقاله الحسن وقتادة"(٢).. وكونها دواة لأنها تتماس في جنسها مع العنصرين اللذين أقسم الله بهما، وهما القلم والسطور..
ولعل المهم ـ في هذا ـ هو أن (ن) يشكل كوناً زاخراً بالمعاني والدلالات.
والقلم: يمثل فضاء مفتوحاً توالدياً يرمز إلى العلمية. ويكفيه فخراً أن الله أقسم به.
وفي هذا السياق قال أبو الفتح السفتي:
"إذا أقسم الأبطال يوماً بسيفهم... *... وعدّوه مما يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتاب عزاً ورفعة... *... مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم"(٣)
وما يسطرون: أي الإقرارات والإصدارات التي تنشأ عن الفكر الإنساني مطلقاً، والتي وراءها القلم..
فإذن: ﴿ ن، القلم، يسطرون ﴾ : تتحكم في الآيات الثلاث الموالية:
﴿ مَا أَنْتَ بِنْعمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ* وَإنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ* وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾...
إلاَّ أن الملاحظة التي ينبغي ذكرها، هي أن هناك تقابلاً أو تشاكلاً بين الآية الأولى والآيات الثلاث.
يتمظهر هذا التشاكل في مستويين:
ـ تشاكل الإيقاع:
يظهر هذا التشاكل في البنية الصوتية التي تميِّز الآيات الثلاث، وذلك من حيث تناغمها وتناسبها وانسجامها، فهي تنهض على وتيرة إيقاعية واحدة.
(٢) القرطبي: تفسير القرطبي ـ ص ٢٢٣.
(٣) نفسه: ص ٢٢٥.