وربما يكون هذا إيقاعاً داخلياً يظهر في تلك العلائق المتحدة والمتفرقة في الدلالات والرموز، وما ينتج عن ذلك من مكوّنات نفسية وشعورية، كان يشعر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ينعت بثلاث صفات متواليات، والتي ارتسمت على صعيد البنية التركيبية للآيات الثلاث.
وقد يبدو أن حرف النون الذي ينهي هذه الفونيمات، لم يكن وروده اعتيادياً، وإنما لما يفيض به من شحنة نغمية، ولوقعه الجميل على النفس، وقدرته على تحريك العواطف وإثارة المشاعر.
وعسى أن يكون هذا التداخل في الصوت والبنية والدلالة، هو ما جعل الإيقاع منظوراً إليه على أنه خارجي من جهة ما يشاع من نغم ناجم عن الفونيمات الأربعة. وعلى أنه داخلي من جهة الدفقات الشعورية والتموجات النفسية التي رافقت ذلك الإيقاع الخارجي.
غير أن "الإيقاع الداخلي يتسلّط على الصياغة الداخلية لسطح النص الشعري خصوصاً، والأدبي عموماً، فيتخذ مظاهر إيقاعية تتلاءم فيما بينها داخلياً لتظاهر الإيقاع الخارجي وتنسجم معه"(١) مما يبين أن الجمالية الإيقاعية لا تقتصر على الإيقاعات الخارجية وإنما تتجاوزها إلى إيقاعات داخلية من الصعوبة استكناهها. وعلى هذا النحو كان النص القرآني في فونيماته الأربعة.
إن هذه السيرة الإيقاعية ألفينا الناقد الفرنسي فاليري يشير إليها بقوله: "إن النص الخالد هو الذي يشكل معناه مع مبناه كلاً لا يتجزأ!"(٢) وهي الوتيرة التي يشهدها هذا النص القرآني.
إن الإيقاع الأول المرصود في الآيات الأربع والممثّل في الفئة الأولى ذو مضمون واحد يصور معاناة الرسول ﷺ في مختلف وجوهها.
(٢) د. بكري شيخ أمين: التعبير الفني في القرآن ـ ص ٢٩٥.