والواقع، أننا نجد هذا المكون الإضماري يخرج القارئ من فضاء التلقي السلب الساكن، نحو آفاق جديدة رحبة ينضم فيها إلى فضاء النص كمشارك في تفسيرية وتجلية مكامنه (قراءة وتذوقاً)، بحيث ألفينا النص القرآني ـ وبهذه التقنية ـ يحدد قارئه النموذجي، حيث أظهر جزءاً من الشخصية ينوب عنها، وهو صفاتها وأفعالها وتحركها دون أنْ يومئ إلى اسمها...
ولقد أخفى الشخصية كلية ـ وفي الوقت نفسه أظهرها ـ مما جعل مظاهر الإخفاء والإيماض موزعة على ثلاثة أشكال:
ـ أظهر ـ في الشخصية ـ تلويناتها الذاتية المميزة لها (حلاف، مهين، هماز)، وأخفى اسمها ـ في ضوء هذه الصفات ـ تاركاً للقارئ أن يفكر في اسم يتلاءم مع هذه النمطية. وهنا سِرّ الإضمارية.
ـ ثم أظهر فيها صورها العاكسة لعلاقاتها مع غيرها (مشاء بنميم، مناع للخير، معتد أثيم)، وظل اسمها مضمراً..
ـ ثم أظهر صفتها الجسمية (عتل) وصفة أخرى تتصل بانتمائها القبلي، والتي ـ في النهايةـ حددت عدم شرعية هويتها. وهي (زنيم)...
وهو في كل هذا الإيعاز، يصوّب القارئ، بحيث يشغل ذهنه فيتركه يفكر في إيجاد اسم ينسجم وفق النمطيات الثلاثة. وهذا سر المكوّن الإضماري...
ـ السرد الساخر: السخرية ـ هنا ـ لا نعني بها التهريج والإضحاك، كما يتبادر من التسمية. بل هي انعكاس لدرجة الوعي لدى الشخصيات الموظفة في النص القرآني، أو هي تقويض لبراهينهم التي يسوقونها تجاه موقف عقائدي مثلاً، فتكشف عن سذاجة الطرف الذي يجادل في أمر قضى فيه الخالق.
والسرد في القصة القرآنية لا يعري الشخصية تعرية واضحة مكشوفة، بل يكتفي بذكر مظهر السخرية ويترك البقية للقارئ. كما سنوضح لاحقاً.
ومن المثير أن قصص موسى مع بني إسرائيل عامة، هي التي تجسد السخرية بشكل لافت(١).