يعرض السرد الساخر في القرآن بأشكال منها:
ـ الشكل الأول: يمارسِهُ القوم تجاه أنبيائهم كحال قوم نوح حين كان يصنع السفينة، فهم يمرّون عليه ضاحكين:
... ﴿ وَيَصْنَعُ الفُلكَ وَكَلَّمَا مَرَّ عليهِ مَلأٌ مِنْ قَومِهِ سَخِرُوا مِنْه ﴾... (١)
ـ الشكل الثاني: يكون أمر السخرية فيه متروكاً للقارئ من ذلك:
... ﴿ وَقَالَ فرعونُ يا أيُّهَا الملأُ مَا علمِتُ لكُم مِنْ إِلهَ غَيْرِي، فَأَوْقِدْ لِيْ يا هَمانُ عَلَى الطِّينِ وَاجْعَلْ لِيْ صَرْحَاً لَعّلِي أَطْلَعُ إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّه مِنَ الكَاذِبَينَ ﴾.(٢)
ـ الشكل الثالث: يعتمد فيه الإله المباشرة في تقديم السخرية من ذلك:
... ﴿ وَالَّذِيَنَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ الله فَبَشِرْهُم بِعَذابٍ أَليمٍ ﴾..(٣)فكلمة بشرهم، فيها كثير من السخرية.
ولعل بعض ما يشي به السرد الساخر يكمن في جانبه الترويحي. فالقصة القرآنية تجمع "الفن إلى شيء آخر هام، فهي تعطي اللذة والمتعة
الجمالية... ".(٤)
أما المكوِّنُ السردي في مقاطع سورة القلم فيتجلى في شخصية الوليد المتحرشة بالرسول ﷺ حيث يقدمه السارد (الإله) على أنه غني ذو مهابة وجاه، يجيد الفنون البلاغية بما أوتي من فصاحة وبيان.
ومما يدّلُ على مكانته وتحرشاته بدعوة محمد هو حضوره في مناسبات قرآنية عديدة.(٥)
يظهر السرد الساخر في قوله تعالى: ﴿ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾. والزنيم: "قيل موسوم بالشر، لأن قطع الأذن وسم. وقال الفّراء: الزنيم الدعي الملصق بالقوم وليس منهم"(٦).

(١) الآية ٣٨ سورة هود.
(٢) الآية ٣٨ القصص.
(٣) الآية ٣٤ ـ سورة التوبة.
(٤) د. محمد سلام زغلول: دراسات في القصة العربية الحديثة ـ ص ٥.
(٥) نزلت فيه سور: الدخان، القلم، المدثر، الكوثر....
(٦) ابن منظور: لسان العرب ـ ج١٥ ـ ١٦٨.


الصفحة التالية
Icon