غير أن كتب التفسير المختلفة استقرت على أمر الالتصاق واللقطة، بحيث يكون الوليد فيها لقيط بن زنا. وهو بهذه الصفة شبيه بزنمة الشاة. أي ذيلها..
ولا أعتقد أن هناك صفة أبلغ في التأثير على العربي من قولنا له: إنك لقيط. وبهذه الوسمة يكون السرد الإلهي قد سخر من الوليد سخرية لاذعة..
ويظهر أيضاً في موطن آخر في قوله تعالى: ﴿ سَنَسِمُهُ عَلَى الخُرْطومِ ﴾.
إن العرب تعتز بأنوفها فتجعلها مكان العز والشموخ، فلقد عبر القرآن "بالوسم على الخرطوم عن غاية الإذلال والإهانة، لأن السمة على الوجه شين وإذالة، فكيف بها على أكرم موضع منه.. وفي لفظ الخرطوم استخفاف به واستهانة"(١). وقيل معناه: "سنعلِّمه يوم القيامة بعلامة مشوهة يبين بها عن سائر الكفرة، كما عادى رسول ﷺ عداوة بان بها عنهم، وقيل: خطم يوم بدر بالسيف فبقيت سمة على خرطومه"(٢).
وقصدنا من إيراد هذه الشواهد أن يبين السرد الساخر المستخدم في القصة القرآنية، بحيث ألفينا النص القرآني يكتفي بذكر صفة معينة تحمل دلالات تكثيفية إيحائية تغمر مخيلة القارئ، حيث يذهب بعيداً لدرجة كره تلك الشخصية والحقد عليها..
وما ينبغي الإشارة إليه هو مبدأ الاختيارية الذي ينهض عليه السرد القرآني الساخر، بحيث وجدناه يختار الصفة التي من شأنها تفجير الشخصية من الداخل. وهو ما تلمسناه في لفظتي زنيم، والوسم على الخرطوم.

(١) الزمخشري : الكشاف ـ ص ١٢٨.
(٢) نفسه ـ ص ١٢٨.


الصفحة التالية
Icon