ويظهر في صفة ثالثة لا تقل إسفافاً ومهانة عن الصفتين الأخريين. وهي كلمة "عتل". والعتلة في لسان العرب"، حديدة كأنها رأس فأس عريضة في أسفلها"(١). وقيل: "العتلة: العصا الضخمة من حديد لها رأس مفلطح كقبيعة السيف تكون مع البّناء، يهدم بها الحيطان"(٢). وفيه أيضاً: "والعتلة: الهراوة من الخشب"(٣)، و"العتل: الجافي الشديد في كفره. وقال الكلبي: هو الشديد الخصومة بالباطل".(٤)
إن الشواهد التي سقناها، الغاية منها تبيان دناءة الصفة التي ينتخبها الإله نموذجاً للسرد الساخر. فالعتلة في تمظهرها صفة كاريكاتورية ساخرة، تكشف عن شخص غليظ خلقاً وخُلقاً. لأن السخرية في القرآن: "ترتسم دائماً في سورة أو تقترن بصورة محددة بحيث يشعر السامع كأنه يرى هذه الصورة بعينه، ويرى موضع السخرية واضحاً بارزاً، ولكن الأسمى... أنها صورة مثيرة للانفعال والمشاعر"(٥)..
إن السخرية القرآنية ـ بالمفهوم الحداثي ـ هي تعرية الشخصية وكشفها من الداخل ومن الخارج قصد تبويئها المكانة التي تليق بها في المسار القصصي..
وقد لاحظنا أن السردية الإلهية اكتفت بثلاث صفات مكثفة جعلت الوليد يشعر بالمذلة التي آل إليها في شرفه، وانكشف له أنه لا يعدو أن يكون شبيهاً بهراوة من خشب، فضلاً عن أنه ملصق بقومه، أما أنفه الموسوم فيجعله محلاًّ للسخرية والتندر، بحيث ظل يتوارى من القوم من سوء ما وسم به، أيحجبه بيده على هون أم يتركه وكراً للذباب.. ؟
ويكون السرد الساخر قد حقق غايته متى اجتمعت هذه الصفات، (عتل، زنيم، خرطوم)، في من شخصه.

(١) ابن منظور ـ لسان العرب ـ ج١٣ ـ ص ٤٣٩.
(٢) نفسه، ص ٤٣٩.
(٣) نفسه، ص ٤٥٠.
(٤) القرطبي: تفسير القرطبي: ج١٨ ـ ص ٢٣٢.
(٥) د. عبد الحليم الحفني: أسلوب السخرية في القرآن ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة الأولى ١٩٧٨ ـ ص ١٠٣.


الصفحة التالية
Icon