ثالثاً ـ المكوِّن الشخصاني(١):
تعرضنا ـ في الفصل الأول ـ إلى السردية وبناء الشخصية ولكن بصورة اقتضتها عملية البناء الفني، وفرضتها خصوصيات قصة موسى. غير أن العملية ـ في هذه القصة ـ مختلفة استدعت لوناً جديداً وتقنية مغايرة، الأمر الذي جعل تعرضنا للسرد والبناء غير مكرور، وهو ما نوضحه حالاً:
إننا ـ وبدراستنا هذه ـ لا نتصور أنفسنا أمام تلك النمطية الشخصية التي كانت تميز قصص وروايات القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، بحيث كانت الشخصية فيه كل شيء، منحت قداسة وسلطة مطلقتين على النص..
إن الشخصية في القص القرآني هي تلك التي تظهر بوضوح، وتقدم بطريقة وصفية شاملة وتعمل على توجيه الأحداث، وهي ـ في صيرورتها ـ ما تفتأ تنمو وتتطور إلا وفق حركية الشخصية ونموها وتطورها. وهي بهذه الشاكلة تتقاطع مع الشخصية التقليدية. وفي الوقت نفسه هي أيضاً تلك الشخصية التي تتسم بالغموض والفوضى، بحيث لا يظهرها السرد إلا مبعثرة مجزأة، ولا تستكشف إلا بالعودة إلى بعض أجزائها المبثوثة عبر النسيج القصصي، وباستنطاق دلالاتها المختلفة. وهي بهذا يمكن تسميتها الشخصية الجديدة(٢).
إن تلك المسميات التي كانت تلحق شخصيات الأعمال القصصية والروائية على حد سواء، ماهي إلا تجميد وتسكين لحركيتها عبر المدد السردي. ثم إن هذا التصنيف في حد ذاته لا يفعّل مقروئية القارئ، بل يتركه منجذباً ومشدوداً إلى التلقي الجامد الساكن مسلوباً إلى تحرك الشخصيات.

(١) من استعمالات بعض الأدباء العرب كقول أحدهم: (الحداثة حداثوية بوصفها موقفاً شخصانياً وجودياً)، ينظر محمد جمال باروت: تجربة الحداثة ومفهومها ـ مجلة قضايا وشهدات ـ (عدد خاص بالحداثة) ـ ع١ ـ مؤسسة عبال ١٩٩٠ ـ ص ٢٦١.
(٢) أطلقنا عليها هذا الاسم لتتناسب مع الرواية الجديدة. التي تنادي بمثل هذه النمطية.


الصفحة التالية
Icon