وتجدر الإشارة هنا إلى مانقله د. علي العمَّاري عن بن خلدون في مقدّمته عند تفسيره لمفهوم مقتضى الحال؛ فقد ذكر أن المطابقة - في نظره - موجودة سواء كان الرفع دالاً على الفاعل، والنصب دالاً على المفعول أو بالعكس. "ويدافع عن أشعار العرب وأهل الأمصار لعصره، مع أن أهل الأمصار نشأت فيهم لغة مخالفة للغة سلفهم من مضر في الإعراب جملة وفي كثير من الموضوعات اللغوية، وبناء الكلمات، ولكن الشعر موجود بالطبع في أهل كل لسان"(١)[٢٦]) وللعرب من أهل جيله في أشعارهم بلاغة فائقة وفيهم الفحول والمتأخرون، ومع ذلك فقد رفض بعض علماء عصره هذه الفنون التي اعتمدت على غير الفصحى مثل الزَّجل، وعروض البلد، ثم المزدوج والكازي والملعبة والغزل، والمواليا، وكان كان...... إلى آخر هذه الفنون التي كان يستعذبها أهلها وعشاقها ويجدون قمَّة البلاغة فيها لا في غيرها لأنَّها جاءت مطابقة للهجاتهم(٢)[٢٧]).
هذا وقد علَّق ابن خلدون على ذلك بقوله :
"واعلم أن الأذواق كلها في معرفة البلاغة إنما تحصل لمن خالط تلك اللغة وكثرة استعماله لها ومخاطبته بين أجيالها، حتى يُحصّل ملكتها كما قلناه في اللغة العربية، فلا يشعر الأندلسي بالبلاغة التي في شعر أهل المغرب ولا المغربي بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس والمشرق، ولا المشرقي بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس والمغرب"(٣)[٢٨]).
ويعقّب على ذلك بتعليل مقنع وافقه فيه بعض علماء اللغة المحدثين، هذا التعليل هو :
(٢) ٢٧]) مقدمة بن خلدون، تحقيق درويش الجويدي، ص٦٠٣-٦٠٤(بتصرُّف)، المكتبة العصرية، بيروت-لبنان.
(٣) ٢٨]) نفسه، نفس الصفحات.