نعم قد أعجز القرآن الكريم بقوة بيانه فصحاء قريش وكل من اشتهروا بالبلاغة فيهم. وما زال كذلك وسيظلُّ رغم اختلاف الثقافات وزيادة القدرات اللغوية وتباين اللهجات، لذا سيكون القرآن نفسه هو رافدنا في هذا البحث ومعيننا الذي لا ينضب في إضاءة الزوايا الخاصة بمفهوم مقتضى الحال، والتي بفضل من الله وتوفيق تمكن هذا العمل من الوصول إلى توضيحها من خلال الاستشهاد بأسلوب القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
بيان زوايا المفهوم وإضاءتها في ضوء أسلوب القرآن الكريم تحديد زوايا مفهوم مقتضى الحال
أ-حال السياق :
لعل مما جاء به القرآن الكريم مراعياً حال السياق ومفهومه مثل قوله تعالى(١)[٣١]) :
﴿ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ﴾
فالضمير في قوله "عليها" ليس له عائد سابق يوضحه ولكنه يُفهم من سياق الآيات قبله(٢)[٣٢]) ؛ فالسورة الكريمة من بدايتها تحدَّثت عن خلق الإنسان والسماوات والأرض وما بينهما وما تحتويانه من نعم كثيرة(٣)[٣٣])، فالمناسب أن يذكر السياق الكريم أن كل من عليها فان وأن البقاء لله - عزَّ وجل - فلا يجد السامع في تحديد المقصود من هذا الضمير صعوبة لفهمه من سياق الآيات الكريمات.
وقد يكون حال السياق ومفهومه سبباً في تنكير بعض الألفاظ التي تدل في مكانها على معان خاصَّة لا يتوصّل إليها إلا ضمن ذلك السياق كما جاء في شأن الكفَّار في قوله تعالى(٤)[٣٤]) :
﴿ ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ﴾
(٢) ٣٢]) البلاغة فنونها وأفنانها، د. فضل عباس (علم المعاني)، ص١٣٠(بتصرُّف).
(٣) ٣٣]) سورة الرحمن: ١-٢٦
(٤) ٣٤]) سورة البقرة: ٧