فالذي يستنبط - من خلال دراسة السياق - في تنكير لفظ (غشاوة) دلالة على النوعية - كما ذهب الزمخشري -(١)[٣٥]) أي نوع خاص من الغشاوة المناسبة لكفرهم، وذهب آخرون إلى أنَّها غشاوة عظيمة، وما في هذا الرأي بُعد عن قول الزمخشري؛ فالنوعية لفظ عام يحتمل الغشاوة العظيمة أو غيرها.
وقد لا يكون التنكير دالاًّ على النوعية فقط في سياق القرآن فقد يقتضي الحال أن يكون التنكير موحياً بغير ذلك، فاستمع إلى قوله تعالى(٢)[٣٦]) :
﴿ وعَدَ اللهُ المؤمنينَ والمؤمناتِ جنَّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكنَ طيبة في جنَّات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ﴾
فالحال في الآية الكريمة يوحي أن المراد من التنكير هنا هو التقليل بمعنى أن أي "رضوان" من المولى - عزَّ وجل - مهما قلَّ هو أعزُّ على العبد المؤمن من كل ما ذُكر في الآية الكريمة قبله؛ لأنه سبب في دخول الجنة وأي سبب؟! ولا أدل على ذلك من ما جاء بعدها وهو قوله تعالى :
﴿ ذلك هو الفوز العظيم ﴾
كما يمكن أن يقصد من التنكير رضوان الله - عزَّ وجل- وتقديسه(٣)[٣٧])، وقد يؤدي حال السّياق إلى أن تقتضي الجملة الأولى سؤالاً يفهم بمعونة القرائن وسياق الأحوال، يُقدّر هذا السؤال السامع، فتأتي الجملة الثانية أو الآية الثانية إجابة عن هذا السؤال المُقدَّر(٤)[٣٨]) كما جاء في قوله تعالى(٥)[٣٩]) :
(٢) ٣٦]) سورة التوبة: ٧٢
(٣) ٣٧]) البلاغة فنونها وأفنانها (علم المعاني)، ص٢٥٥.
(٤) ٣٨]) الاستئناف البياني(دلالته وفنيته)، د. سعاد محمود نحلة، مجلة الزهراء، ص٤٩٦، كلية الدراسات الإسلامية والعربية(بنات)، جامعة الأزهر، العدد الثالث عشر، سنة١٤١٥هـ (بتصرُّف).
(٥) ٣٩]) سورة هود: ٤٦