قال يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح }
فلأن السياق في الآية الأولى تضمَّن حُكماً غريباً، إذ المخاطب هو نوح عليه السلام والحديث عن ابنه، ومع ذلك قيل له ليس من أهلك؟ فكيف يكون ذلك؟!
هذا هو السؤال المقدَّر والذي يتبادر إلى ذهن السامع مباشرة، فما كان من السياق الكريم إلا أن راعى هذا الاعتبار وذلك الإنكار - المقدَّر - فجاءت الإجابة بأسلوب توكيدي ﴿ إنه عمل غير صالح ﴾
كما قد يقتضي حال السياق أيضًا أن تشتمل الجملة الأولى على استفهام تقريري يثير التعجب مثل قوله تعالى(١)[٤٠]) :
﴿ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل﴾
وقوله عز من قائل(٢)[٤١]) :
﴿ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ﴾
فالإجابة في الجملة الثانية من كل آية من الآيتين السابقتين هو مقتضى حال السياق وضرورة مطلوبة ليتم الكلام ويأتي على أبلغ وجه وأكمله؛ فتقدير السؤال المحذوف هو :(ماشأنهم؟).
ب-حال المتكلم :
أما الزاوية الثانية من مراعاة مقتضى الحال؛ فهي مراعاة حال المتكلم وبيان ماتنطوي عليه سريرته فانظر - مثلاً - إلى قوله تعالى(٣)[٤٢]) :
﴿ هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مُزّقتم كل ممزَّق إنكم لفي خلق جديد ﴾
فجاءت لفظة (رجل) نكرة رغم معرفة المشركين لرسول الله - ﷺ - والتنكير لم يقصد به القرآن الكريم قطعاً الحط من قدره - ﷺ - وإنما نقل - بهذه الطريقة - مشاعرهم الحاقدة تجاه خير الأنام عليه الصلاة والسلام.
ويراعي القرآن الكريم أيضًا حال المتكلم عندما قال عز وجل(٤)[٤٣]) :
﴿ ربي إني وضعتها أنثى ﴾
فالآية تنقل لنا إحساسها بالحزن والحسرة، بدليل ماجاء بعدها مباشرة وهو قوله تعالى(٥)[٤٤]) :

(١) ٤٠]) سورة النساء: ٤٤
(٢) ٤١]) نفس السورة: ٥١
(٣) ٤٢]) سورة سبأ: ٧
(٤) ٤٣]) سورة الأعراف: ٣٦
(٥) ٤٤]) نفس الآية السايقة.


الصفحة التالية
Icon