فهذه الدعوة الحميمة من المولى عز وجل لم تكن في خُلد السامعين وليس لديهم علم بها، لذا جاء الخطاب في أبسط تركيب وأسهله وهو ما يسمى بـ"فائدة الخبر"، وكل ماجاء كذلك؛ فهو من هذا الباب مادام المخاطب ليس لديه علم مسبق عن هذا الخبر.
والحالة الثانية التي يمكن أن يكون عليها المخاطب وينبغي أن يكون الكلام مطابقاً لها؛ هي علمه بذلك الأمر ورغبة المتكلم في إخباره أنه يعلم بالموضوع كأن يقول شخص لآخر :
رأيتك تُنصت إلى قراءة القرآن، أو : علمت بسفرك أمس.
ومنها قوله تعالى(١)[٥٢]) :
﴿...... ماكان أبوك امرأ سوءٍ وما كانت أمك بغيًا ﴾
فالمخاطبة أكثر الناس علماً بأبيها وأمها، فقد كانا من بيت يُعلم شرفه ومكانته في القوم(٢)[٥٣]) وهذا ما يسمى بلازم الفائدة لذا جاء خالياً من أدوات التوكيد(٣)[٥٤]).
ومنه قوله تعالى عن المنافقين(٤)[٥٥]) :
﴿ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ﴾
فالمخاطب بالقرآن والمنزل عليه الوحي هو رسول الله - ﷺ - كما هو معلوم - والمستمعون بعد لهذه الآيات فهم المؤمنون ومنهم المنافقون(٥)[٥٦])، فيعرّفهم السياق الكريم بهذه الأمور التي قد يظنون خفاءها عن غيرهم، ولأن الأمر معلوم ومسلَّم به لديهم ولدى الرسول الكريم - ﷺ - فقد اقتضت الحال أن يأتي الكلام خالياً من أي مؤكّد من المؤكّدات.

(١) ٥٢]) سورة مريم: ٢٨
(٢) ٥٣]) تفسير ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، ٣/١٠٨، ط سنة١٩٨١م، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت.
(٣) ٥٤]) من المؤكدات: إنَّ، أنَّ، ألا الاستفتاحية، ضمير الفصل، فضلاً انظر ذلك في البلاغة في ثوبها الجديد ص٦١.
(٤) ٥٥]) سورة التوبة: ٦٧
(٥) ٥٦]) تفسير ابن كثير ٢/٢٦٨، ط سنة ١٩٨١م، (بتصرف).


الصفحة التالية
Icon