فالآية الكريمة ينقل لنا حالتهم وعلمهم بعدم تصديق السامع لهم؛ فدعاهم ذلك إلى تأكيد حديثهم بـ(إنَّما) ويأتي الرَّدُ مناسباً لإنكارهم تلك الحقيقة والمداراة منهم. لذا جاء الكلام مؤكّداً بأكثر من مؤكّد وذلك حسب قوَّة إنكارهم(١)[٦٨]).
ومثله ماجاء في قوله تعالى(٢)[٦٩]) :
﴿ واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززننا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون ﴾
ثم قالوا في المرة الثانية(٣)[٧٠]) :
﴿ ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ﴾
فمقتضى ماهم عليه من حال الإنكار في المرة الأولى أن يأتي كلام المرسلين مؤكَّداً بأحد المؤكدات وهي (إنَّ) - فقط - في قوله(٤)[٧١]) :
﴿ إنا إليكم مرسلون ﴾
واقتضت حال الإنكار الثانية وهي أشدُّ من الأولى أن يأتي السياق الكريم بأكثر من مؤكّد(٥)[٧٢])؛ لإثبات ماجاءوا به ولإزالة تكذيب المخاطبين وإنكارهم للدعوة الراشدة، فجاء في سياق الآية الكريمة (إنَّ، ولام الابتداء) التي اقترن بها الخبر، مع ما يشعر بالقسم في قوله ﴿ ربُّنا يعلم ﴾.
ومن مقتضى الحال أيضًا أن يؤكّد القرآن الكريم أمرًا حقيقيّاً لا جدال في وقوعه، وذلك لأن المخاطب أصابته الغفلة عن إدراك تلك الحقيقة أو مجرَّد التفكير في المصير.
فقال تعالى(٦)[٧٣]) :
﴿ ثُمَّ إنكم بعد ذلك لميتون ثُمَّ إنَّكم يوم القيامة تبعثون ﴾
فالموت والبعث - لدى المؤمن - أمران لايحتاجان إلى تأكيد، أما الكافر فقد اقتضت حاله أن يؤكَّد له ذلك بأكثر من مؤكّد

(١) ٦٨]) المؤكدات هنا هي: ألا الاستفتاحية، إنَّ، ضمير الفصل.
(٢) ٦٩]) سورة يس: ١٣-١٤
(٣) ٧٠]) سورة يس: ١٥
(٤) ٧١]) سورة يس: ١٦
(٥) ٧٢]) من بلاغة القرآن، ص١٤٥(بتصرُّف).
(٦) ٧٣]) سورة المؤمنون: ١٥-١٦


الصفحة التالية
Icon