تلك هي الأحوال التي يراعي فيها المتكلّم حال المخاطب الظاهرة...... (١)[٧٤])
مطابقة الحال مع مخالفة الظاهر
وهنا قد تتطلَّب الظروف أن يتغاضى البليغ عن حال ظاهرة؛ فيخالف القواعد المذكورة ويأتي حديثه - رغم ذلك - بليغاً لأنه طابق فيه الحال. فلو طُلب - مثلاً - من مسلمٍ عدم الإهمال في صلاته رغم علمه بوجوب ذلك فيقال له :
صلواتك الخمس حافظ عليها ولا تترك واحدة منها.
فلا بُدَّ أن حالة إهماله في صلاته كلها أو في بعضها اقتضت أن يُحدَّث بالطريقة التي يحدَّث بها الجاهل بالخبر وذلك لعدم عمله بموجب ذلك العلم(٢)[٧٥]).
كذا إذا خوطب غير المُنكر للخبر أو للحُكْم مخاطبة المُنكر كما جاء في قوله تعالى(٣)[٧٦]) :
﴿ إنك لا تهدي من أحببت...... ﴾ الآية
فالمخاطب هو رسول الله - ﷺ - وهو غير
مُنكر لذلك، ويعلم تماماً أن الهداية من الله وحده عزَّ وجل وبإرادته سبحانه وتعالى ولكن لفرط حرصه عليه الصلاة والسلام ولاهتمامه بتبليغ الدعوة كان مشقّاً على نفسه في محاولة هداية من أحبَّ من قومه وكل من حوله من أهله، فكان من مقتضى هذه الحال أن يخاطب مخاطبة المنكر للخبر لأن تصرفه عليه الصلاة والسلام وحرصه الشديد اقتضيا ذلك الأسلوب في الخطاب(٤)[٧٧]) وهو التأكيد بـ(إنَّ) في قوله :
﴿ إنك لاتهدي من أحببت...... ﴾ الآية.
كذا قد يخاطب المُنكِر مخاطبة غير المُنكِر؛ فلا يؤكد له الكلام بأي مؤكد لوجود الأدلة الواضحة على صدق ما يقال له كما جاء في قوله تعالى(٥)[٧٨]) :
﴿ ألم ذلك الكتابُ لاريبَ فيه هُدى للمتقين ﴾

(١) ٧٤]) من بلاغة القرآن، ص١٤٧(بتصرف).
(٢) ٧٥]) البلاغة في ثوبها الجديد (علم المعاني)، ص٧٣ (بتصرُّف).
(٣) ٧٦]) سورة القصص: ٥٦
(٤) ٧٧]) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، عبدالله بن محمد الأنصاري القرطبي، ٦/٥٠١٥، كتاب الشعب (بتصرُّف).
(٥) ٧٨]) سورة البقرة: ١


الصفحة التالية
Icon