فرغم أن القران الكريم نزل على محمد - ﷺ - وخاطب به المشركين المنكرين له، إلاَّ أن الآية - وأمثالها كثير(١)[٧٩]) - خلت من أدوات التوكيد، لأن السامعين يشهدون شهادة لايدانيها شك في فصاحته وبلاغته التي أعجزتهم(٢)[٨٠]).
وقد يخاطب غير السائل مخاطبة السائل المستشرف للحقيقة، كما يقال لشخص - مثلاً - :
لاتجادل في الحق، فالحق أحق أن يُتَّبع فحال السامع هنا اقتضت هذا الخطاب الذي قُدّر قبله سؤال محذوف بعد نهاية الجملة الأولى مباشرة، وهو (لِمَ لا أجادل في الحق ؟) (٣)[٨١]).
ومن هذا الباب قوله تعالى(٤)[٨٢]) :
﴿ ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ﴾
فلمَّا أمر السّياق الكريم بتقوى الله وحذر من عقابه تطلَّعت نفس السامع إلى معرفة السبب مع الشك في العقاب، فجاءت الإجابة مطابقة للحال أو مقتضية لذلك الشك إذ اقترن الأسلوب بـ(إنَّ) المؤكدة للخبر المذكور في الآية الكريمة.
كما قد تقتضي حال المخاطب - الذي يعتقد بشيء مخالف للواقع - أن تقلب عليه ذلك الاعتقاد كقولك - مثلا - : ما فاز إلا محمد (لمن ظنَّ أن غيره هو الفائز). ومثلها من القرآن قوله تعالى(٥)[٨٣]) :
﴿ واتبعوا ماتتلو الشياطين على مُلك سليمان وما كفر سليمان ولكنَّ الشياطين كفروا... ﴾ الآية.
كذا في حال ظن السامع اشتراك شخصين أو شيئين في حكم واحد فالحال تقتضي أن تأتي بخصائص أسلوبية تُفرد له شيئاً أو شخصاً واحداً في ذلك الحكم، فنقول لمن ظنَّ أن زيداً ومحمداً قادمان : إنَّما القادم زيدٌ.
(٢) ٨٠]) انظر قول الوليد بن المغيرة عن القرآن في القرآن المعجزة الكبرى، د. محمد أبو زهرة، ص٥٦، دار الفكر العربي.
(٣) ٨١]) كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، ٢/٩٣ (بتصرُّف).
(٤) ٨٢]) سورة الحج: ١
(٥) ٨٣]) سورة البقرة: ١٠٢