ولا شك أن مقتضى الحال يتفاوت بتفاوت المقامات والأحوال. فقد يقتضي الأمر إلى تنكير المسند أو تقديمه على المسند إليه، وقد يدعو الحال إلى تعريفه أو حذفه لدلالة القرائن عليه، وقد يباين مقام الوصل مقام الفصل(١)[٨]).
ولإصابة المفصل في هذه الأمور جميعاً وتلك الأغراض، لا بدَّ من حِذق المتكلّم ومهارته في إدراك ما حوله من ملابسات الأحوال أو ظروف السامعين ومستوى ثقافتهم وسبر نفسياتهم وإلا أخطأ الهدف وضلَّ الطريق.
لذا اعتبر القرآن الكريم هو أعلى درجات الكلام بلاغة وأكثرها مطابقاً للأحوال، وكيف لا يكون كذلك وهو من لدن عليم خبير بدقائق الأمور ومقتضياتها، وصدق - عزَّ وجل - في قوله(٢)[٩]) :
﴿ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا ﴾
فالتعبير المطابق لمقتضى الحال لا بدَّ وأن يشتمل على خصائص في الصّياغة وأوضاع في التراكيب تدلُّ دلالة واضحة على معان يكون بها الكلام تاماً وافياً بالغرض مطابقًاً لمتطلبات الموقف الذي سيق من أجله(٣)[١٠]).
فإذا أريد - مثلاً - التعبير عن رجل له صفات الرجولة والأخلاق المحمودة بكلام مطابق لمقتضى الحال قيل :"هو الرجل" بإثبات "أل التعريف" للمسند، فوقع الكلام - كما هو ملاحظ - مشتملاً على خصوصيَّة معيَّنة اقتضاها المقام النَّفسي تجاه هذا الرجل الممدوح وهو الاحترام له ولصفاته الحسنة.
يقول د. أبو موسى :
"المطابقة إذاً تعني الصِّدق والوفاء بما في النفس"
أو كما قال العلوي :

(١) نفسه، نفس الصفحة (بتصرُّف)، كذلك انظر البلاغة فنونها وأفنانها، د. فضل عباس (علم البيان والبديع)، ص١١-١٢، دار الفرقان للنشر والتوزيع، (بتصرُّف).
(٢) سورة النساء : ٨٢
(٣) ١٠]) خصائص التراكيب، دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني، د. محمد أبو موسى، ص٣٨-٣٩، (بتصرُّف)، ط(٢)، مكتبة وهبة، القاهرة.


الصفحة التالية
Icon