هي وصول الإنسان بعبارته كنه ما في قلبه... )(١)[١١]).
ولكن السؤال هنا، كيف تصل العبارة إلى السامع وصولاً صحيحاً؟ فليس المقصود قطعاً مجرَّد التعبير عن ما في النَّفس وإنّما لا بدَّ من اعتبار حال السامع ومطابقتها من جوانب مختلفة أهمُّها، حالته النَّفسية ومستواه الثقافي وحسّه الفنّي ولهجته وإلا أصبح الكلام غير مطابق لمقتضى الحال، وبالتالي لا يفي بما أريد منه.
يقول د. إبراهيم أنيس - وهو بصدد الحديث عن الحركات الإعرابية وعدم ضرورة وجودها لتمييز الفاعل عن المفعول - :"...... هذا إلى ما نعهده من أن لكل كلام ظروفاً ومناسبات ويعرف المتكلم كما يعرف السَّامع ما تتطلبه هذه الأمور من تعابير لغوية فليست اللغات مفردات ترِدُ في المعاجم، ولا جملاً منفصلة تدوَّن في الصُّحف، وإنَّما الأصل في كل لغة أن تكون في صورة كلام يتَّصل اتصالاً وثيقاً بالمتكلّمين والسامعين، فهم أعرف بمواضعه وملابساته ولا يشقُّ عليهم تمييز الفاعل من المفعول في أي كلام على ضوء تلك الظروف والملابسات"(٢)[١٢]).
كما يوضّح ذلك عبد القاهر الجرجاني وهو بصدد الحديث عن الاستعارة والتخييل بقوله :
"وهذا موضع لطيف جدًّا لا تنصف منه باستعانة الطَّبع عليه، ولا يمكن توفيه الكشف فيه حقه بالعبارة لدقة مسلكه"(٣)[١٣])
(٢) ١٢]) من أسرار اللغة، د. إبراهيم أنيس، ص٢٤٧، ط(٧)، سنة١٩٩٤ م، مكتبة الأنجلو المصرية.
(٣) ١٣]) أسرار البلاغة، د. عبدالقاهر الجرجاني، شرح وتعليق وتحقيق محمد عبدالمنعم خفاجي و د. عبدالعزيز شرف، ص٣٠١، دار الجيل، بيروت.