ويدخل في دقة المسلك هذه العناصر التي يستمدُّ الخيال منها صوره والمعين الذي يمده بذلك... ؛ فعند اختيار صورة ما لا بدَّ لمنشئها أن يضع اعتبارات مختلفة أمامه عند إنشائه لها تختلف هذه الاعتبارات باختلاف البيئات والأمم والعصور. وهذا ما تجده في كتب الأدب وتاريخه، فكل بيئة متأثرة في صورها بمقوّماتها الطبيعية والاجتماعية وما تشتمل عليه من شؤون وتوحي بها من اتجاهات.
وفي كل أمة بنظمها الخاصَّة، وأساليب حياتها وما وصلت إليه في سلَّم الارتقاء المادّي والمعنوي وفي كل عصر بنزعاته العامَّة ودرجة حضارته وما جرى فيه من أحداث(١)[١٤]).
يقول د. إبراهيم السّمرائي في هذا :
"وقد تكون في الفصيحة مجازات غير معروفة في الألسنة الدَّارجة ذلك أن المجاز يتأثر بالبيئة التي تدرج فيها المجموعة البشرية فأصحاب الحرف والأصناف يقذفون بمجازاتهم المألوفة المعروفة متأثرين ببيئتهم الضيّقة، وهكذا تتعدَّد ألوان القول في المجتمع الواحد"(٢)[١٥]).
وقد تتغير مدلولات الألفاظ تبعاً لتغير طبيعة الشيء الذي تدلُّ عليه أو لتغير ملابساته وظروفه، فلفظ الرّيشة - مثلاً - مدلوله السابق هو آلة الكتابة التي كانت تُتخذ من ريش الطيور، أما الآن فأصبح يدلُّ على تلك القطعة المعدنية في القلم وهكذا...... (٣)[١٦])
وقد أشار د. إبراهيم أنيس إلى أن هذا الاختلاف في المدلول اللفظي بين الأشخاص أو المجتمعات قد يكون سبباً في الجدل والنقاش حيناً أو إلى النزاع والشجار أحياناً أخرى.
(٢) ١٥]) التطور اللغوي التاريخي، د. إبراهيم السَّمرائي، ص٣٦، ط(٣)، سنة ١٩٨٣م، دار الأندلس، بيروت.
(٣) ١٦]) (نفسه). (نفس الصفحة). (بتصرُّف)