لذا لا بد للمتكلّم من مراعاة فهم السَّامع حتى يصل بهذا الكلام إلى قلبه ومنها إلى الحكم على ذلك الكلام بالبلاغة (١)[١٧]).
فانظر - مثلاً - إلى العصر الجاهلي كيف طغت البيئة وعناصرها على شعرائه في أي غرض من أغراضه، وليكن قول أمريء القيس التالي مثالاً على ذلك :

"وكشحٍ لطيفٍ كالجديل مخصَّرٍ وساقٍ كأنبوب السَّقيّ المذلَّلِ
وتعطو برَخصٍ(٢)[٢٠]) غير شثنٍ(٣)[٢١]) كأنه أساريعُ(٤)[١٨]) ظبيٍ أو مساويك إسحل(٥)[١٩])
تضيء الظلام بالعشاء كأنها منارة مُمْسى راهبٍ متبتّلِ(٦)[٢٢]) "
فانظر الى الألفاظ (جديل، أساريع، ظبي، ماسويك، إسحل) فهي من عناصر التشبيه المستمدَّة من خبرات الشاعر البيئية ومشاهداته اليوميَّة، وقس على ذلك بقيَّة الشعر في كلّ العصور، فالأديب الذي لا يكون أدبه صورة صادقة عن نفسه أو عصره أو مجتمعه وبيئته لا يُعتد بما كتبه أو قاله إذا ما قيس بغيره ممَّن اهتموا بهذا الجانب. يقول العقاد في ذلك :
(١) ١٧]) دلالة الألفاظ، د. إبراهيم أنيس، ص٩، ط(٥)، سنة١٩٨٤م، (بتصرُّف)، مكتبة الآنجلو المصرية.
(٢) ١٨]) الأسروع واليسروع: دود يكون في البقل والأماكن النَّدية، تشبه أنامل النساء به وهي صورة قديمة. فضلاً انظر تفصيل وشرح الأبيات في(شرح المعلقات السبع. أبو عبد الله الحسين بن أحمد الزوزني. ص٣١-٣٢ ط سنة ١٩٧٩م. دار الجيل بيروت.
(٣) ١٩]) إسحل: شجرة تدق أغصانها في استواء. انظر معجم مقاييس اللغة. بن فارس تحقيق عبد السلام هارون. ط سنة١٣٦٨هـ (سحل) (بتصرف).
(٤) ٢٠]) الرخص : اللين الناعم. انظر اساس البلاغة. جار الله الزمخشري. تحقيق عبد الرحيم محمود ط سنة ١٩٨٢م. دار المعرفة. بيروت - لبنان (بتصرّف).
(٥) ٢١]) الشثن : الغليظ الكز. (نفسه). (شثن). (بتصرّف).
(٦) ٢٢]) انظر شرح المعلقات السبع، ، ص٣١-٣٢.


الصفحة التالية
Icon