ومن الآيات الدالة على التحريم قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ (١)، قال ابن كثير رحمه الله: «هذه الآية الكريمة دلَّت على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده؛ لأنه نهى عن قتل الأولاد كما أوصى الآباء بالأولاد في الميراث، وكان أهل الجاهلية ليئدون البنات بل كان أحدهم ربما قتل ابنته لئلا تكثر عيلته فنهى الله تعالى عن ذلك وقال: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ﴾ أي خوف أن تفتقروا في ثاني الحال، ولهذا قدم الاهتمام فقال: ﴿ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ﴾ وقوله: ﴿ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ أي: ذنبًا عظيمًا، وقرأ بعضهم (كَانَ خَطْئًا) بفتح الخاء وهو بمعناه (٢). ومن الأدلة على أن قتل الأولاد من أعظم الذنوب حديث عبد الله بن مسعود، قال: قلت يا رسول الله، أي الذنب عند الله أكبر؟ وفي لفظ لمسلم: أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك»، قلت: ثم أي؟ قال: «ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك». قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك» قال: ونزلت هذه الآية تصديقًا لقول الرسول - ﷺ - :﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ (٣)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» أي: من جهة إيثار نفسه عليه عند عدم ما يكفي أو من جهة البخل مع الوجدان» (٤).

(١) سورة الإسراء، الآية: ٣١.
(٢) كما في تفسيره ٣/٣٨.
(٣) سورة الفرقان، الآية: ٦٨.
(٤) كما في الفتح ٨/٤٩٢.


الصفحة التالية
Icon