قلت: وقَرن الله تعالى الإحسان إلى الوالدين بعبادته فقال: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ (١)، وأمر الله ببر الوالدين وإن كانا كافرين، فقال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (٢)، قال ابن كثير رحمه الله: ولهذا قَرَنَ بعبادته بر الوالدين فقال: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ أي وأمر بالوالدين إحسانًا لقوله في الآية الأخرى: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ وقوله: ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴾ أي: لا تسمعهما قولاً سيئًا حتى ولا التأفف الذي هو أدنى مراتب القول السيء ﴿ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ﴾ أي: ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح كما قال عطاء بن أبي رباح في قوله ﴿ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ﴾ أي: لا تنفض يدك عليهما (٣).
* * *
المبحث الثاني: جملة أحاديث في بر الوالدين وتحريم عقوقهما

(١) سورة الإسراء، الآيتان: ٢٣، ٢٤.
(٢) سورة لقمان، الآيتان: ١٤، ١٥.
(٣) كما في تفسير القرآن العظيم (٣/٣٤).


الصفحة التالية
Icon