ولم يسلم هذا الوجه الذي اختاره أبو عمرو وقرأ به في هذه الكلمات من إنكار النحويين خاصة سيبويه الذي اتهم الراوي بهذه القراءة بعدم الضبط وعدم التثبت والظن في النقل حيث قال: وأمّا الذين لا يشبعون فيختلسون اختلاساً يسرعون اللفظ ومن ثَمَّ قال أبو عمرو (إلى بارئكم). ويدلُّ على أنها متحركة وليست ساكنة... إلى أن يقول: وقد يجوز أن يسكّنوا الحرف المرفوع والمجرور في الشعر، ويضيف واصفاً للراوي بعدم الضبط والظن في النقل: إنَّ الراوي لم يضبط عن أبي عمرو لأنّه اختلس فظن أنّه سكّن (١).
ويوافق ابن جني سيبويه في إنكار هذه القراءة ويصف الراوي بعدم الدارية والضبط حيث قال في حديثه عن الاختلاس عند القُرَّاء بعد أنْ ذكر بعض المواضع التي اختلس فيها أبو عمرو الحركة قال: "وكذلك قوله عزَّ وجلَّ مختلساً غير ممكن كسر الهمزة حتى دعا ذلك من لطف عليه تحصيل اللفظ إلى أن ادّعى أنّ أبا عمرو كان يسكّن الهمزة، والذي رواه صاحب الكتاب اختلاس هذه الحركة لا حذفها البتة، وهو أضبط لهذا الأمر من غيره من القُرَّاء الذين رووه ساكناً، ولم يؤت القوم من ضعف أمانة لكن أتوا من ضعف دراية" (٢).
وقد أنكر أبو شامة في "إبراز المعاني" هذه القراءة وامتدح رواية الاختلاس قال بعد ذكر الإسكان ورواته: "ورواية العراقيين عن أبي عمرو: الاختلاس، وهي الرواية الجيدة المختارة، فإنَّ الإسكان في حركات الإعراب لغير إدغام ولا وقف ولا اعتلال منكر، فإنّه على مضادة حكمة الإعراب، وجوَّزه سيبويه في ضرورة الشعر" (٣).
ومنع المبرد أيضاً قراءة التسكين وزعم أنَّ قراءة أبي عمرو لحن، قال أبو حيان في "البحر المحيط" عند حديثه عن الاختلاس في قوله تعالى
(٢) عثمان أبي الفتح بان جني: الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الهدى، بيروت، ١/٧٧.
(٣) أبو شامة: إبراز المعاني، ص ٢٣١.