أمَّا أبو محمد اليزيدي الذي روى هذه القراءة عن أبي عمرو فهو أحد الأعلام البارزين في لغة العرب، كما أنَّه أحد النحاة المشهورين، ومع هذا فقد اختص بنقل هذه القراءة عن أبي عمرو وكان في إتقانها وجودة نقلها أبرز من روى عن أبي عمرو وأميزهم على كثرة الرواة عنه حتى قالوا عنه: "إنَّه كان الغاية في قراءة أبي عمرو، فما كان للنحاة أنْ يصفوه بعدم الضبط والرواية وقد غاب عنهم أنَّ وظيفته الأولى التي عُرف بها واشتهر بها من بين رواة أبي عمرو على كثرتهم هي الضبط والأداء وصحة النقل (١).
[٤] إسقاط إحدى الهمزتين المتفقتين في الحركة
ومن المميزات التي اختصت بها قراءة أبي عمرو إسقاط إحدى الهمزتين المتفقتين في الحركة، وقد انفرد أبو عمرو بهذا الإسقاط للهمزة عن بقية القُرَّاء السبعة اختياراً للتخفيف الذي هو سمة بارزة في قراءته، قال الشاطبي:

وأسقط الأُولى في اتفاقهما معاً إذا كانتا من كلمتين فتى العلا
كجا أَمرنا من السما إِنَّ أوليا أُولئك أنواع اتفاق تجمّلا
قال ابن القاصح في شرحه: "حذف أبو عمرو بن العلاء الهمزة الأولى من همزتي القطع المتفقتين في الحركة إذا تلاصقتا بأن تكون الهمزة الأولى في آخر الكلمة، والهمزة الثانية في أول الكلمة الأخرى، وليس بينهما حاجز" (٢).
قال أبو شامة موجهاً لما اختاره أبو عمرو في هذه القراءة: "ووجه القراءة في إسقاط الأولى وتحقيق الثانية أنَّ مذهب أبي عمرو الإدغام في المثلين ولم يمكن هنا لثقل الهمزة غير مدغم فكيف به مشدّداً فعدَّل إلى الإسقاط واكتفى به (٣).
وهذا الإسقاط للهمزة الأولى الذي اختص به أبو عمرو وانفرد يه في قراءته عن سائر القراءات القرآنية أصبح ميزة من مميزات هذه القراءة.
(١) انظر: ابن الجزري: طبقات القُرَّاء، ٢/٣٧٥.
(٢) سراج القارئ المبتدئ، لابن القاصح، ص ٧٠.
(٣) أبو شامة: إبراز المعاني، ص ١٠٤.


الصفحة التالية
Icon