كما أنّا نجد أنَّ الإمام أبا زرعة أيضاً يختم قوله بعد توجيهه لقراءة أبي عمرو في هذا الحرف بقوله: "وهذا من حذق أبي عمرو" (١).
ومن أمثلة مخالفته للقُرَّاء في حروف أجمعوا على قراءتها في قوله تعالى في
سورة يوسف: (٢)، قال أبو زرعة في حُجَّته: "قرأ أبو عمرو (وقلن حاشا لله) بالألف، وحُجَّته ذكرها اليزيدي فقال: يقال: (حاشاك، وحاشا لك)، وليس لأحد من العرب يقول: (حاشك)، ولا (حاش لك) وقرأ الباقون (حاش لله) وحُجّتهم أنّها مكتوبة في المصاحف بغير ألف" (٣).
ولعلمه باللُّغة ومعرفته بها نجده أحياناً يخيّر بين القراءتين وذلك إذا كان كل وجه يقرأ به يحمل معنى جديراً بالاهتمام عنده ونجد هذا واضحاً في قوله تعالى في سورة آل عمران:
(٤)، قال ابن خالويه: "يقرأ بالياء والتاء والأمر فيهما قريب، فمن قرأها بالتاء جعل الخطاب للحاضرين وأدخل الغُيّب في الجملة، ومن قرأها بالياء وجّه الخطاب إلى الغُيَّب وأدخل الحاضرين في الجملة، ولهذا المعنى كان أبو عمرو يخيّر بينهما" (٥).
[٦] إمالة كلمة (النّاس) المجرورة
من مميزات قراءة أبي عمرو أنّه أمال كلمة الناس المجرورة إمالة كبرى حيث وقع، فلم يؤثر عن أحد من القُرَّاء السبعة أنّه أمال هذه الكلمة غير أبي
عمرو (٦).
وذكر ابن الجزري أنَّ إمالة كلمة (النّاس) في موضع الجر لغة أهل
الحجاز (٧).
قال الشاطبي:
(٢) سورة يوسف، الآية (٣١).
(٣) حُجَّة القراءات لأبي زرعة، ص ٣٥٩.
(٤) سورة آل عمران، الآية (١١٥).
(٥) ابن خالويه: الحُجَّة في القراءات، ص ١١٣.
(٦) استدرك فضيلة الشيخ/ البيلي على الباحث بقوله: "إنَّ الإمام الكسائي يشاركه ـ أي أبو عمرو ـ في إمالة (النَّاس) المجرورة هنا وحيثما جاءت مجرورة، والكسائي من السبعة باتفاق. انظر: الموضح، لابن أبي مريم، طبعة ١٤١٤هـ، ٣/١٤١٨.
(٧) ابن الجزري: النشر في القراءات العشر، ٢/٦٢.