جمهور المفسرين على أن قوله في الآية الأولى: ﴿ فأولى لهم ﴾ وعيد وتهديد، وقوله في الآية الثانية: ﴿ طاعة وقول معروف ﴾ كلام مستقل، حذف منه أحد الجزأين إما الخبر وتقديره:"أمثل"، وإما المبتدأ وتقديره: "أمرنا"، أو نحوه. وكلا القولين جائز حسن عند الخليل وسيبويه والمبرد وغيرهم(١). ووصفهما مكي بن أبي طالب بأنهما أبين وأشهر (٢). فلما فسر قتادة الآية بقوله: "طاعة الله وقول بالمعروف عند حقائق الأمور خير لهم"(٣)، فسرها على حذف الخبر، لا على أن ( أولى لهم ) في الآية السابقة بمعنى "خير لهم".
ولكن يظهر أن بعض المفسرين أراد أن يؤوّل الكلام هذا التأويل من غير أن يلجأ إلى حذف وتقدير، ورأى أن معنى كلمة (أولى) قريب من معنى خير وأمثل، مما قدروه خبراً لكلمة (طاعة)، ففسّر (أولى لهم) بمعنى خير لهم، وذهب إلى أن الكلام لم ينقطع على (أولى لهم) بل متصل بما بعده في الآية الثانية، وأن ﴿ أولى لهم طاعة وقول معروف ﴾ جملة واحدة. وفاته أن الذي بمعنى "أحقّ وأجدر "لا يقال فيه" أولى له "كما في الآية الكريمة، وإنما يقال فيه "أولى به".
ولا يبعد أن يكون أحد المفسرين الذي بنى كتابه على الاختصار، وقصد فيه إلى تفسير ما أشكل من معاني الآيات، دون بيان الإعراب، لم يفسر قوله تعالى ( فأولى لهم ) في الآية الأولى، وتجاوزه لاشتهار معناه، ثم فسّر قوله تعالى في الآية الثانية ( طاعة وقول معروف ) بأن طاعة الله كانت أمثل وأولى بهم، فتوهم بعضهم أن قوله " أولى بهم " تفسير ( أولى لهم ) في الآية الأولى، فبنى على ذلك قوله بأن الكلام متصل واللام بمعنى الباء.

(١) انظر الكتاب ١ : ١٤٢، ٢ : ١٣٦ ومعاني الزجاج ٥ : ١٣، والكامل ٢ : ٥٧٣، وانظر تأويل مشكل القرآن: ٤٢٠، وغريب القرآن: ٤١١ والطبري ٢٦: ٥٥، والقرطبي ١٦: ١٦١، والبحر ٩: ٤٧٠ - ٤٧١.
(٢) مشكل إعراب القرآن ٢ : ٦٧٤.
(٣) تفسير الطبري ٢٦ : ٥٦.


الصفحة التالية
Icon