المحرر الوجيز، ج ١، ص : ١١١
نكرة في موضع نصب على البدل من قوله مَثَلًا، وبَعُوضَةً نعت ل ما، فوصفت ما بالجنس المنكر لإبهامها. حكى المهدوي هذا القول عن الفراء والزجاج وثعلب.
قال القاضي أبو محمد رحمه اللّه : وقيل غير هذا مما هو تخليط دعا إليه الظن أَنْ يَضْرِبَ إنما يتعدى إلى مفعول واحد.
وقال بعض الكوفيين : نصب بَعُوضَةً على تقدير إسقاط حرف الجر. والمعنى أن يضرب مثلا ما من بعوضة.
وحكي عن العرب :«له عشرون ما ناقة فجملا»، وأنكر أبو العباس هذا الوجه.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي اللّه عنه : والذي يترجح أن ما صلة مخصصة كما تقول جئتك في أمر ما فتفيد النكرة تخصيصا وتقريبا، ومنه قول أمية بن أبي الصلت :[الخفيف ]
سلع ما ومثله عشر ما عائل ما وعالت البيقورا
وبعوضة على هذا مفعول ثان.
وقال قوم : ما نكرة، كأنه قال شيئا. والآية في هذا يشبهها قول حسان بن ثابت :[الكامل ].
فكفى بنا فضلا على من غيرنا حبّ النبيّ محمد إيّانا
قال القاضي أبو محمد : وقد تقدم نظير هذا القول، والشبه بالبيت غير صحيح عندي، والبعوضة فعولة من بعض إذا قطع اللحم، يقال بضع وبعض بمعنى، وعلى هذا حملوا قول الشاعر :[الوافر].
لنعم البيت بيت أبي دثار إذا ما خاف بعض القوم بعضا
وقرأ الضحاك وإبراهيم بن أبي عبلة ورؤبة بن العجاج :«بعوضة» بالرفع.
قال أبو الفتح : وجه ذلك أن «ما» اسم بمنزلة «الذي»، أي لا يستحيي أن يضرب الذي هو بعوضة مثلا، فحذف العائد على الموصول، وهو مبتدأ، ومثله قراءة بعضهم :«تماما على الذي أحسن» أي على الذي هو أحسن.
وحكى سيبويه ما أنا بالذي قائل لك شيئا، أي هو قائل.
وقوله تعالى : فَما فَوْقَها من جعل ما الأولى صلة زائدة، ف «ما» الثانية عطف على بعوضة، ومن جعل ما اسما ف «ما» الثانية عطف عليها.
وقال الكسائي وأبو عبيدة وغيرهما :«المعنى فما فوقها في الصغر».
وقال قتادة وابن جريج وغيرهما :«المعنى في الكبر».
قال القاضي أبو محمد : والكل محتمل، والضمير في أَنَّهُ، عائد على المثل.
واختلف النحويون في ماذا : فقيل هي بمنزلة اسم واحد، بمعنى أي شيء أراد اللّه، وقيل «ما»