المحرر الوجيز، ج ١، ص : ١٢٨
قال :«و اليهود تزعم أنها الحنظلة، وتقول : إنها كانت حلوة ومرّت من حينئذ».
قال القاضي أبو محمد : وليس في شيء من هذا التعيين ما يعضده خبر، وإنما الصواب أن يعتقد أن اللّه تعالى نهى آدم عن شجرة فخالف هو إليها وعصى في الأكل منها، وفي حظره تعالى على آدم الشجرة ما يدل على أن سكناه في الجنة لا يدوم، لأن المخلد لا يحظر عليه شيء، ولا يؤمر ولا ينهى.
وقيل إن هذه الشجرة كانت خصت بأن تحوج آكلها إلى التبرز، فلذلك نهي عنها فلما أكل منها ولم تكن الجنة موضع تبرز أهبط إلى الأرض.
وقوله فَتَكُونا في موضع جزم على العطف على لا تَقْرَبا، ويجوز فيه النصب على الجواب، والناصب عند الخليل وسيبويه «أن المضمرة»، وعند الجرمي الفاء، والظالم في اللغة الذي يضع الشيء غير موضعه، ومنه قولهم :«من أشبه أباه فما ظلم»، ومنه «المظلومة الجلد» لأن المطر لم يأتها في وقته، ومنه قول عمرو بن قمئة :[الكامل ]
ظلم البطاح بها انهلال حريصة فصفا النطاف له بعيد المقلع
والظلم في أحكام الشرع على مراتب، أعلاها الشرك، ثم ظلم المعاصي وهي مراتب، وهو في هذه الآية يدل على أن قوله : وَلا تَقْرَبا على جهة الوجوب، لا على الندب، لأن من ترك المندوب لا يسمى ظالما، فاقتضت لفظة الظلم قوة النهي، و«أزلهما» مأخوذ من الزلل، وهو في الآية مجاز، لأنه في الرأي والنظر، وإنما حقيقة الزلل في القدم.
قال أبو علي : فَأَزَلَّهُمَا يحتمل تأويلين، أحدهما، كسبهما الزلة، والآخر أن يكون من زل إذا عثر».
وقرأ حمزة :«فأزالهما»، مأخوذ من الزوال، كأنه المزيل لما كان إغواؤه مؤديا إلى الزوال. وهي قراءة الحسن وأبي رجاء، ولا خلاف بين العلماء أن إبليس اللعين هو متولي إغواء آدم. واختلف في الكيفية، فقال ابن عباس وابن مسعود وجمهور العلماء : أغواهما مشافهة، ودليل ذلك قوله تعالى : وَقاسَمَهُما والمقاسمة ظاهرها المشافهة.
وقال بعضهم : إن إبليس لما دخل إلى آدم كلمه في حاله، فقال : يا آدم ما أحسن هذا لو أن خلدا كان، فوجد إبليس السبيل إلى إغوائه، فقال : هل أدلك على شجرة الخلد؟.
وقال بعضهم : دخل الجنة في فم الحية وهي ذات أربع كالبختية، بعد أن عرض نفسه على كثير من الحيوان فلم تدخله إلا الحية، فخرج إلى حواء وأخذ شيئا من الشجرة، وقال : انظري ما أحسن هذا فأغواها حتى أكلت، ثم أغوى آدم، وقالت له حواء : كل فإني قد أكلت فلم يضرني فأكل فبدت لهما سوءاتهما، وحصلا في حكم الذنب، ولعنت الحية وردت قوائمها في جوفها، وجعلت العداوة بينها وبين بني آدم، وقيل لحواء : كما أدميت الشجرة فكذلك يصيبك الدم في كل شهر، وكذلك تحملين كرها، وتضعين كرها، تشرفين به على الموت مرارا. زاد الطبري والنقاش :«و تكونين سفيهة، وقد كنت حليمة».


الصفحة التالية
Icon